للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والنصارى والصائبين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. لقد صادف محمد أناسيا (أعني العرب) بدينون بأخبث ضروب الوثنية ويعيشون بالغارة والسلب والنهب ويرتاحون بسفك الدماء كأنهم فيهم غريزة وجبلة - فهذب طبائعهم - وطهر نفوسهم وعلمهم الصدق والعفاف والتقوى والحلم والأناة والصبر والعفو والغفران والرحمة والتحاب والمؤخاة، والتواد والمصافاة. فكان يقول لهم وإن تعفو وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنا المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها، ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها، وهكذا.

وبينما كان محمد يؤدي هذا الواجب الأقدس - يهذب قومه ويغرس فيهم حامد الخصال ومكارم الخلال ويرفعهم من وهدة الخسة وينتاشهم من بؤرة الفساد ويستنقذهم من حمأة الرذيلة ويطهرهم من أدران الخبائث وأدناس الموبقات - أعداؤه - وقلوبهم تغلي مراجلها عليه حقد ونفور مشاعرها عليه بغضاً - يهاجمونه ويحملون عليه أشد الحملات وأنكرها. وكانوا قد أجمعوا قتله واستئصال. وقالوا إن هذا الخارج من ملة آبائه (يعنون محمدا) وهؤلاء المارقين من دين أسلافهم (يعنون أتباع محمد) قد لجأوا إلى المدينة (بلدة اقراننا ومنافسينا) يزرع بها بذور المروق والإفك والضلالة. فحق على جميع الشعوب العربية أن تتضافر وتتناصر على إبادة أولئك الحمقى المجانين الذين هجروا أوطانهم وعقارهم من أجل إله خفي مجهول لا يحس ولا يرى، وكذلك نرى أن محمد منذ دخل الإسلام بدينه أصبحت حياته مرتبطة بحياة قومه وحياة الأنصار الذين دعوهم إلى ديارهم ورحبوا به وأكرموا مثواه فأصبح هلاكه ليس بهلاك فرد ولكنه هلاك كل من التف حوله وانضم تحت لوائه.

وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدم

فإذا تأملت حالة النبي إذ ذاك يحدق به الأعداء والخونة وتحمل عليه قريش والعرب كلها تؤيدها وترفدها علمت أنه كان هو وعصبته هالكين لا محالة لولا وثوبهم وثبة الضياغم. والليوث الضراغم. وأسياف بأيديهم هي كما قال الشاعر:

صفحتاه عقيقتان من البر_ق ... وفي مضربيه صاعقتان

ولم يك إلا بعد أن دهمتهم قيالق الأعداء أن خاطب النبي رهطه بكلمة الوحي وقاتلوا الذين