للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين.

وكذلك أصبح الدفاع في نظر المسلمين هو بمثابة المحافظة على أرواحهم. فليس أمامهم إلا خطتان: إما الاستسلام للقتل والذبح إما الدفاع عن أنفسهم. وقد آثروا الثانية فأفلحوا واستطاعوا بعد طول الجهاد أن يخضعوا أعداءهم.

ثم كان من أمر اليهود بعد ذلك أن حقدهم الشديد على المسلمين ونكثهم العهود والمواثيق المرة بعد الأخرى ودوامهم على إثارة الفتن ودأبهم في السعي إلى إيقاع المسلمين في حبائل كيد الكفار - كل ذلك أدى إلى إنزال العقوبة بهم وسومهم أنكل العذاب. وكان ذلك من النبي ورهطه بمثابة دفاع الضعيف عن نفسه وعلى سبيل الإنذار والتحذير وليس من باب الانتقام والتفشي.

* * *

وليس لمعترض أن يقول أن محمداً كان من الواجب عليه أن يكون كبعض من ظهروا في هذا العالم من آن إلى آخر من أرباب المذهب ومؤسسي العقائد ممن آثروا أن يذعنوا لقوة الظروف والعوامل المعاكسة فيقنعوا بإرسال القول دون تنفيذه وبتشييد عوالم الخير والصلاح في مخيلاتهم حيث تظل ضرباً من الأحلام والمنى لا تخرج من حيز الوهم والتأميل إلى حيز التحقيق والعمل. ويرضون أن يؤول أمرهم إلى التضحية والاستشهاد وتختم حياتهم على المشنقة أو على المقصلة أو هلاكاً في النار. أو الأسار. فيكون كل ما صنعوه هو أن يخرج أحدهم من الدنيا بأحلام لم تحقق وميتة بالسيف أو بالنار تكسبه حلية الشهيد أو التضحية - نقول ليس لمعترض أن يعيب على محمد أنه لم يكن من أمثال هؤلاء ولم يرض لنفسه مثل هذه السيرة ولم يقتنع بمثل هذا العمل - إن صح أن نسميه عملاً - وليس لمعترض أن يقول أنه قد كان من الواجب على النبي أن يخرج إلى الدنيا ثم يخرج عنها دون أن ينفذ مهمته ويبلغ غايته. وما كان لعاقل أن يقول أن ظهور أمثال ما ذكرنا في هذه الدنيا يوجب على محمد أن يحذو حذوهم فيضحى نفسه وجميع شيعته وأتباعه تأييداً لما نسميه في عصرنا هذا فكرة.

دعنا نقارن بين جهاد المسلمين في سبيل الدفاع عن أنفسهم وحفظ أراوحهم بما جاءته اليهود والنصارى بل بما جاءته أمة الفرس المهذبة الرقيقة من الحروب الفظيعة لنشر