للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والشرائع. فأصبحنا نرى الدين مع ادعائه أنه المنظم لما بين الأفراد من العلاقات والروابط لا يعترف بأن هنالك علاقات وروابط بين المجاميع المختلفة المؤلفة لجملة الإنسانية. وبذلك انحط الدين عن المنزلة اللائقة به وأصبح لا يعدو كونه تظاهراً بفيضان الوجدان والشعور أو طريقة لتبادل التقاريظ والاطراءات في مواطن الجمل ومواقف المناظرة - وإن كان (أي الدين) ربما ارتفع أحياناً إلى مرتبة الفلسفة الأخلاقية.

إن الأساس الذي عليه تقوم الحقوق الدولية وواجبات السلوك بين مختلف الأمم هو معاملة الشعوب كالأفراد والاعتراف بأن لهؤلاء من الحقوق مثل ما لاولئك وأن النظام الحقوقي للاثنين واحد. لأنه كما أن من الأفراد تتكون الشعوب فكذلك من الشعوب تتكون الإنسانية - فحقوق الأمم واوجبات المتبادلة بينها لا تختلف بوجه ما عما هو عليه كائن بين الفرد والفرد.

لا أنكر أن نهضة الكنيسة اللاتينية في غربي أوروبا وما اقتضى ذلك من توسيع سلطة الأساقفة بمدينة روما ومد نفوذهم قد أوجد في عالم النصرانية اللاتينية شيئاً من المسؤولية الدولية. وكلن هذا كان مقصوراً على اتباع كنيسة روما - أو كان في الأحايين القليلة يتناول عالم المسيحية الإغريقية على سبيل الامتنان والتفضل. أما سائر شعوب الأرض فكانت تحرم ثمرات هذه المسؤولية. حتى أصبح الدين يتخذ ذريعة للاعتداء على الأمم المستضعفة وحجة مبررة لاضطهادها واهتضام حقوقها فباسمه كان يرتكب في هذه السبيل كل جريمة وتقترف كل جناية. إذ كانت الكنيسة تصادق على كل فظائع السطو والاستلاب. وتؤمن على مظالم العسف والاغتصاب. وإذا أفرط الجبار المستبد في الظلم والحيف استطاع أن يخرج من ذنوبه ويتخلص من آثامه بتوسيط الكنيسة بينه وبين رب العباد. وتشفيعها في جرائمه يوم الحشر والمعاد. وكذلك كان الطاغية الغشوم لا يعدم من الكنيسة شفيعاً لدى الرحمن. وممهداً وموطئاً بحابح الجنان. فمن مذابح شارلمان التي أتاها بترخيص الكنيسة ومصادقتها إلى قتل أو أسر شعوب أمريكا الأصليين الأبرياء تمتد سلسلة متوالية من الاعتداءات على حقوق الأمم وواجبات الإنسانية، فهذا الاستخفاف بالأساسي من قواعد المروءة وأصول البر والتقوى هو أيضاً كان الدافع إلى الاضطهاد من كان من أتباع المسيح قد جرؤ على إيتان شذوذ في الرأي والتفكير عن سنة الكنيسة.