للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولما ظهر المذهب البروتستانتي لم يحدث أدنى تغيير في هذه الحالة، بل إن ما وقع من الحروب وضروب الاضطهاد بين أرباب النحل النصرانية المختلفة يصح أن يؤلف منه تاريخ قائم بذاته فقد قال هالام في تاريخه: إن جريمة الاضطهاد هي الجريمة الأساسية الدولية التي كان يرتكبها أرباب الملل الجديدة من أهل المسيحية حتى أنك إذا قرأت أخبارهم لم تلبث أن تثور عليهم أو تحنق على مسلكهم فيتحول انتصارك لهم مقتاً لهم وعطفك عليهم اشمئزازاً منهم.

على أنه مهما بلغ من اختلاف النحل النصرانية الجديدة في ما بينهم أو بلغ من شذوذهم عن كنيسة روما من حيث المسائل الفقهية والنقط المذهبية فلقد أتفقوا جميعاً ضد الشعوب الخارجة عن دائرة المسيحية في إجماعهم على الامتناع من تبادل الحقوق والمصالح مع أولئك الشعوب قاطبة فهذا جروشياس مؤسس القانون الدولي في أوروبا قد استثنى الأمم الإسلامية من امتياز تبادل الحقوق والمصالح مع الأمم الأوروبية.

أما روح الإسلام فعلى عكس ذلك، مناف للاحتجاب والاحتجاز مناقض للانفراد والاعتزال. فإن محمداً بالرغم من ظهوره في عصر جاهلية الأمم وانغماس العالم في ظلمات الضلال قد وضع من مبادئ العدالة ما لم يفطن لبعضه زعماء أي ملة أخرى، وسن من القوانين الممتازة بفرط التسامح وسعة النظر ما لم يكد يوجد في أي دين آخر. فلقد قال ذلك المؤرخ النابغة الذي أشرنا إليه آنفاًإن الإسلام إنما كان يعرض دينه عرضاً ولا يفرضه فرضاً وإذا كان يمنح الأمم المقهورة إذا احتضنته مزية مساواة الأمة الفاتحة أعني المسلمين في كافة الحقوق والمصالح ويخلصها من كل ما كان جميع الأمم القاهرة قد اعتادت ضربه على المقهورين من الشرائط القاسية. والفرائض العاتية منذ بدأ العالم إلى مظهر محمد صلى الله عليه وسلم.

وبمقتضى الشرائع الإسلامية كان كافة الخاضعين لدولة الإسلام من أهل الديانات المخالفة يمنحون حرية الضمير والفكر والعقيدة وفي الآية لا إكراه في الدين أوضح دليل على ما قد امتاز به الإسلام من فضيلة الرفق والبر والرأفة والتسامح وبعد ذلك كله يقوم أهل العناد والمكابرة فيرمون الإسلام بالبطش والفتك والقسوة. ونرى أناساً قد بلغ من فرط ظلمهم وجورهم ولجاجهم في الباطل وتعاميهم عن الحق أن ينسبوا التعصب والجبروت والعسف