(الروم) فقد أثارهما ما كان من مصرع سفير المسلمين بأسياف الروم، فولا قيام المسلمين بعقاب نصارى الدولة الرومانية الشرقية على ذبحهم ذلك السفير لما وجد أعداء الإسلام سبيلاً إلى اتهامه بأنه لم ينتشر إلا بحد الحسام، فأما وقعة مؤتة فكانت سجالاً لا عليهم ولا لهم وأما غزوة تبوك وكانت دفاعية محضة (لصد جيوش هرقل) فلم تشف نفوس المسلمين بثأر ذلك السفير القتيل بل تركت دمه مطلولاً أثناء حياة النبي. ولكن خلفاءه لم ينسوا ذلك الدم المهراق ولم يلبثوا أن أدركوا الثأر من دولة الروم الباغية فأنزلوا بها من العقاب أنكله وأنكاه، ومن الانتقام أشده وأقساه.
إن مبلغ اتساع الدولة الرومانية الشرقية وامتداد أملاكها وولاياتها ترك المسلمين في حالة حرب مستمرة مع الجانب الأكبر مة العالم المسيحي، أضف إلى ذلك ما كان لولاة الولايات الرومانية من السلطة الشاذة تحت سلطة قياصرة الدولة الرومانية الشرقية المتضائلة المضحكة، صعب على ملوك الإسلام حسم هذا النزاع بوسائل المعاهدات والمحالفات مع أولئك الولاة، فكان المسلمون لا يكادون يفرغون من أحدهم بعد إخضاعه وعقد المعاهدة معه حتى يداهمهم آخر بضري من الاعتداء فيضطرهم إلى معاقبته. ومن ثم استمر المسلمون مع عالم النصرانية بأسره في حرب عوان شرعية مبررة.
ولا أدعي أن المسلمين لم يندفعوا قط إلى محاربة الشعوب المسيحية بعوامل الاعتداء والجشع. فإنه لن يدعي مثل ذلك إلا جاهل بطبيعة الإنسان وغريزة البشر، إذ أن من المحال أن ترى المسلمين بعد إيغالهم في ممالك الأعداء وتغلغلهم في صميم أحشائها وبعد ما أدركوا من تلك الفتوحات المتوالية والانتصارات المتتالية في أقصر مدة من الزمن مما لم يسبق له نظير في تاريخ العالم - وبعدما تقرر في نفوسهم من ضعف الأمم المجاورة ووهنها - يستطيعون أن يستمروا على مبدئهم الأول من التسامح والتجاوز فيبقون داخل نطاق القانون لا يتعدونه كما إني لا أنكر أنه قد كان بين أتباع محمد من الحروب ما لا تقل فظاعة عما وقع بين أتباع المسيح. ولكن هذه الحروب كانت داخلية أسرية_منبعثة عن تنافس الأسر الحاكمة المختلفة) وهذا السبب بعينه هو الذي أدى إلى ما حل ببعض الطوائف الإسلامية من الاضطهاد والضيم، فإن ما أصاب أبناء علي وفاطمة من ألأمويين راجع ولا شك إلى تلك العداوة القديمة والأحقاد المتأصلة في نفوس قريش على بني هاشم