للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المناذرة مرزباياً (أعني عميداً) وكان أهل هذه الناحية (أعراب الحيرة) لا يحتملون رقابة أمراء الفرس ولا سيطرتهم (كشأن ذريتهم اليوم) فجعلوا يشنون الغارات على القبائل المجاورة حتى امتد أذاهم إلى المسلمين. وكانت حكومة هؤلاء قد اشتدت وتضاعفت قوتها بإخضاع من كان ثار من قبائل العرب وارتد عقب وفاة محمد. وأصبحت دولة العرب متماسكة متدامجة مجتمعة ململمة متآزرة متضافرة تحت سلطان ملك فرد وخليفة واحد - عمر - فأصبحت ترى من العار أن يحتمل اعتدءآت ولاية حقيرة من ولايات دولة مضمحلة قد آذن عهدها بانضرام. وتداعي صرحها لانهدام. . . . فجرد خليفة المسلمين جيشاً لغزو العراق فزحف هذا الجيش على الحيرة ففر المرزبان هارباً إلى المداين عاصمة الدولة الفارسية وأذعن الأمير العربي - بلا كفاح ولا نضال - إلى جيش المسلمين تحت قيادة البطل الهمام. والأسد الضرغام. سيف الله القاضب. وشهاب الله الثاقب. خالد بن الوليد.

ولما استولى المسلمون على الحيرة أصبحوا على أبواب دولة الأكاسرة. وكانت هذه الدولة قد تتابعت عليها فتن وثورات داخلية ارتكبت فيها الفظائع والجرائم. ثم أتيح لها في شخص الملك يزدجر حاكم صارم العزيمة بعيد الهمة. فاستطاع هذا الملك القادر أن يوجه إلى كتائب المسلمين الزاحفة جيشاً ململماً. وخميساً عرمرماً. وكان عمر إذ ذاك خليفة الإسلام بالمدينة. ومع تفوقه على سلفه أبي بكر في توقد العزيمة والنشاط وطموح الهمة وبعد الغاية فقد كان عنده من الحزم والاناة والروية ما آثر معه أن يجرب مع الملك يزدجر أولا طريقة المسالمة فعرض عليه بواسطة سفرائه شروط التحالف المعهودة حقناً للدماء. وتفادياً من كوارث الهيجاء.

أما هذه الشروط فهي اعتناق الإسلام وهو داعية كل خير وباب كل بر والكفيل بتقويم تلك الخطط السياسية العوجاء التي هبطت بالدولة الكنعانية (الفارسية) إلى وهدة الضعة والانحطاط. ونقص تلك الضرائب الفادحة التي امتصت دماء الشعب. وتنفيذ مبادئ العدل حسب نصوص الشريعة الإسلامية التي قضت بالتسوية بين مختلف الرتب والدرجات. والمنازل والطبقات في اعتبار القانون. فأما الرضوخ لهذه الشروط وأما دفع الجزية مقابل التمتع بنعمة الحماية. فلم يكن من الملك يزدجرد إلا أنه رفض هذه الشروط المعروضة