للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ظهر في العالم إلا أتى عليه دور أصبح فيه سالكاً ملك الاغتصاب والاعتداء تبعاً لمذهب زعمائه ورؤسائه. وكذلك كان شأن الإسلام في بعض أدواره. فأما أنه يجتذب الناس إليه عنوة وقهراً أو أنه كان في أي أدوار حياته أكثر عدواناً. وأشد طغياناً من أي دين آخر، فهذا زور وباطل يقوم بتنفيذه ألف دليل من التاريخ والواقع.

ما شهر الإسلام السيف ولا اعمله إلا دفاعاً عن كيانه. وذودوا بنيانه. وكذلك سيفعل ما بقي له على وجه البسيطة أثر ببصر. وشأن يذكر. ولكنا ما رأينا الإسلام قد يتداخل في شأن أي دين ذي فضيلة ولا يأخذ الناس باضطهاد ولا بتعذيب ولا يؤسس أمثال ما كان من المسيحية من محاكم التفتيش ولجان التنكيل والتمثيل. والإسلام - هداك الله - لم يخترع آلات التعذيب لمحو الاختلافات المذهبية وغل الأذهان وأسر العقول ودفن الضمائر واستئصال البدع والأهواء واصطدام جرثومة كل مروق وشذوذ - وهذا كبر خطر على حرية التفكير وشر عائق للرقي والتقدم وأعظم بلاء على المدينة. وليس أحد ينكر أن النصرانية حينما كانت تدعي أنها الدين الأقدس المعصوم من كل خطأ وزلة - كانت تسفك من الدم الطاهر الزكي. البريْ. النقي أكثر مما سفكه أي نظام آخر من دين أو حكومة منذ بدء الخليقة. فلما صارت النصرانية في انكلترا البروتستانتي ظلت طائفة البريزبارتين هنالك تلقى أشنع ضروب التعذيب السنين العديدة - حبساً في ظلمات السجون وكياً بالنيران وتقطيعاً للأوصال والأعضاء. وتمزيقاً للجوارح والأشلاء. وتنكيلاً. وتمثيلاً.

أما في اسكوتلندة فكانوا يطاردون فيقتنصون كالوحوش في البراري والقفار. والانجاد والأغوار. وكانت تصطلم آذانهم من جذورها وتستل ألسمنتهم من اوصلوها. وتكوى جلودهم بالمياسم المحماة في الأفران. وتنتزع أصابعهم من رواجبها بنسافات حديدية. وتفضخ عظام أرجلهم في أحذية فولاذية. وكانت النساء تسام سوء العذاب علانية على قارعة الطريق بمشهد الجماهير الكثيفة. وكذلك طوائف الكاثوليك كانوا بعذبون ويشنقون ويلقون في النيران أحياء فتجعل أشلاؤهم حطباً لجاحمها المشبوب وقوداً. ولكن هذه الملل المختلفة والنحل المتنوعة وهذه الطوائف المتناكرة والأحزاب المتنافرة بين كاثوليك وبروتستانت وأرثودوكس وغير أرثودوكس - كانوا جميعاً يطرحون الخلاف والتناقض. وينبذون الفوو والترافض. ويتركون الخصام والمجادلة. والمشاحنة والمناضلة. ثم يترافدون