عدد قليل من الخدم ولا ترك الغرف الزائدة عن حاجته للناس.
ثم فك ألبرت مزلاج إحدى القاعات وقال هنا المكان الذي أقصده فدخلا قاعة واسعة عالية مغطاة الحيطان بنسيج أحمر تتقاطع فيه خيوط ذهبية وكانت المقاعد والكراسي مغطاة بالقماش الأحمر نفسه وكان يأتي ضوء أرجواني من خلال الأستار الحمراء الحريرية الضخمة ثم قال له ألبرت انتظر قليلاً وذهب إلى غرفة أخرى فتناول فرديناند بعض الكتب فوجد فيها كتابة غير واضحة ودوائر وخطوطاً، ومن الأشياء القليلة التي استطاع قراءتها استبان له أنها كتب في الكيمياء وقد كان يعلم من قبل اشتهار ذلك المسن بصنع الذهب وكان هنا مزهر معلق على المائدة وكان محلى بلؤلؤ وأخشاب مزخرفة وعليه صور تمثل طيوراً وأهاراً بديعة الرسم غاية في الاتقان ونهاية في الدقة وكان في وسطه لؤلؤة في صورة نجمة قد تمهر فيها صانعها حتى بلغ أتم الإتقان ومنتهى الحذق وكان في وسطها دوائر مستطيلة متقاطعة مثل نوافذ الكنائس القوطية.
فقال له ألبرت وهو عائد أنت تنظر إلى ذلك المزهر وتتأمله؟ إن عمره مئتا سنة وقد أحضرته معي كتذكار لسياحتي في اسبانيا ولكن دعنا من هذا وخذ مجلسنا.
فجلسنا إلى جانب المائدة التي كانت مغطاة كذلك بقماش أحمر ووضع الشيخ المسن عليها شيئاً ملفوفاً بدقة ولباقة - ثم تابع القول فقال رحمة بشبابك الغض - وعدتك أخيراً بأن أنظر لك هل ستضاحك السعادة يوماً ما وهل ستفتر لك مباسم الحياة؟ وسأقوم الآن بإنجاز هذا الوعد وإن كنت تظن الموضوع هزلاً ولا يلمم بك الخوف لأن ما أحاوله سيقع بدون خطر مرعب أو عزائم مخيفة أو دعوات رهيبة تزعج مشاعرك وتقلق حواسك وأن العمل الذي أنا الآن بصدده لا يؤتي إلا من وجهتين ولا يتسور عليه الفشل إلا من ناحيتين وهما إما إنك كاذب في حبك مزور في هواك وفي هذه الحالة لا يجدي العمل ولا يثمر إذ لاشيء يكشف لي سره ويزيل الستار عن خبيئته وإما أنك تكدر سكون الوحي وتعكره بأسئلة لا فائدة منها أو بحركة سريعة عجلى أو بترك مكانك وتشبثك بالصورة فعدني الآن بأن تحافظ على نفسك سكونها وأن تلزم الهدوء.
فوعده فرديناند بذلك وأخرج الربطة التي كانت فوق المائدة من لفائفها.
ولقد كان داخل تلك اللفائف كأس ذهبية مصنوعة صنعاً دقيقاً جميلاً وكان حول قدمه