للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويتصل، ولما قيدهما هكذا أخذ يزيد الدائرة حول حافة الكأس وضوحاً فتباعدت المسيقى وصارت تضعف شيئاً فشيئاً حتى غابت آثارها ولما كانت النغمات تولي كانت الشبكة الملتهبة بالشرر تهتز إلى أمام والخلف كأنها تتنزى من الالم وبينا هي يزداد انفعالها إذ نبذت إلى قطع وصارت خيوط الضوء تنصب في الكأس ولما كانت هذه النقط تساقط ارتفع منها سحابة حمراء كانت تتحرك داخل نفسها في دوامات عدة كانت تظهر فوق الحافة كالرغوة ثم برزت نقطة بيضاء مسرعة من خلل الدائرة السحابية وأخذ يتكون في وسطها شبح وظهر فجأة من فتق البخار صورة عين وفوقها جاءت غدائر الشعر تلتوي ثم أخذ يتمشى احمرار رقيق من فوق الظل ومن تحته ورأى فرديناند صورة حبيبته بسامة المحيا مشرقة الوجه وعينيها الزرقاوين وخدها الأسيل الرقيق وفمها المتورد الجميل وكانت رأسها تروح وتجيء ثم أخذت تظهر أكثر جلاء فوق الرقبة الهيفاء البيضاء وانحنت أمام الشاب المأخوذ بالدهشة والسرور.

وكان ألبرت مقبلاً على إقامة الدوائر حول الكأس حتى برزت الأعطاف وكانت الصورة الحسناء تستتم تركيبها وتستكمل شكلها وكانت تنحني في رشاقة مستحبة ثم أخذ يظهر الصدر الناعم المقوس وعلى النهدين البارزين وردتان لهما حمرة سرية كانت تحلو في النفوس وتعذب، ويحسن موقعها في الأرواح ويجمل وكان فرديناند يتوهم أنه يشعر بالنفَس المتردد ولما كانت تلك الصورة تنحني مائلة نحوه بل تكاد تلمسه بشفتيها الملتهبتين نسي من فرط السرور وعده وقام وانحنى على ذلك الفم الياقوتي وقبله وأراد أن يقبض بيديه على المعصمين الجملين وأن ينقذ تلك الصور الآسرة للأرواح السالبة للمهج من سجنها الذهبي فحدث ارتجاج واهتزاز في الصورة الحسناء وانفصلت الرأس عن الجسم وتبددا في خطوط كثيرة العدد وكانت وردة ملقاة في أسفل الكأس كانت تكثل حزمتها بابتسامة عذبة فتناولها فرديناد في لهفة والتياع وضمها لشفته فذبلت من حرارة أشواقه وآضت هواء.

فقال له ألبرت بصوت الغاضب الحنق لقد أسأت كل الإساءة ولم تف بوعدك ونفسك فقطعها لوماً ثم لف الكأس كما كانت وأزاح الستائر وفتح نافذة دخلت منها أضواء النهار ثم خرج فرديناند كاسفاً منكسراً آسفاً حزيناً بعد أن حاول عبثاً أرضاء ألبرت وترك البرت