للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقاما ليتعانقا ثم تراجعا إلى الوراء وأخذ كل منهما يحدق في الآخر ويتدبره وكانا يبذلان الجهد ليجمعا من أطلال الزمن ودمن الماضي تلك الصورة التي كان يعرفها كل منهما في الآخر، ومثلما يوجد دقائق في الليالي الكدراء الممتلئة بالزوابع والأعاصير والسحب السوداء تومض فيها النجوم اللامعات خلسة وتختفي فكذلك كانت تنبعث لعينيهما الملامح الزائلة من الحواجب والعيون والشفاه وكانا كأنهما يريان شبابهما واقفاً على كثب منهما بين الدموع والبسمات فانحنى فرديناند ثم قبل يدها وتساقطت من عينيه دمعتان كبيرتان ثن تعانقا عناقاً قلبياً مخلصاً.

ثم قالت: هل توفيت زوجتك؟

فقال متنهداً إني لم أتخذ زوجة لي طول حياتي.

فقال وهي تضرب كفيها إذن أنا التي خنت عهدك - ولكن لا إني لم أكن خائنة فإني عند عودتي من الضواحي حيث أمضيت شهرين سمعت من كل أصدقائك وأصدقائي أنك رجعت إلى وطنك وتزوجت هناك وأطلعوني على خطابات منك تؤكد ذلك وتدعمه وكانوا يستفيدون من يأسي وحيرتي وغضبي ولهذا رضيت الزواج من آخر وكان يستحق مني ذلك ولكن أفكاري وقلبي كانا دائماً في حوزتك.

فقال فرديناند:

إني لم أترك هذا البلد ولكني سمعت بعد مضي زمن أنك تزوجت ولقد أرادوا أن يفرقوا بيننا وقد تم لهم ذلك ولقد صرت والدة سعيدة وإني سأعيش في الماضي وسأحب أولادك كأنهم أولادي ولكن ألا ترين شيئاً يبعث على الغرابة في أننا لم نلتق مرة قبل ذلك.

فقالت: -

لقد كان خروجي من المنزل نادراً وزوجي تغير اسمه بعد أن مضى على الزواج وقت قصير لميراث استحقه وبذلك كنت لا تستطيع أن تعرف أو أن يداخلك الظن من قربنا منك.

فقال فرديناند: - لقد كنت أحاشى الناس وعشت للانفراد والوحدة. وقد كان ليوبولد الشخص الوحيد الذي اجتلب انتباهي وحبب إلي الخروج إلى رفقائي بني الإنسان وإنه يا صديقتي المحبوبة كحلم مخيف مرعب أن نظن كيف افترقنا وكيف التقينا ثانيا.