للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والارتياب في وفائها. فكن حذراً غير متسرع في قبول كل طلب ملح في خدمتك ومنفعتك ولو كان مصحوباً بأحر مظاهر المروءة والعطف. فإنك لو ركنت إلى هذا المظهر من الأريحية أو خدعت بهذا الإلحاح المتكرر وأقضيت بحاجتك لمن يريد أن يوليك الجميل لم تلبث أن تري وجهه امتقع وراح يغير في الحديث ويجيبك إجابات متقطع ويتركك أخيراً في حال غامضة مبهمة، ويكون حظك أسعد الحظوظ لو استطعت أن تقف له على أثر بعد هذه لمقابلة أو أن تسمع عنه شيئاً زمناً طويلاً.

ذلك لأن الناس لا يرغبون كثيراً في إسداء الصنيعة إلى غيرهم، لأن إسداءها يورثهم مشقة وتعباً ولأن مصائب أصدقاؤنا لا بد تاركة أثر من الرضى في نفوسنا وإنما يرغب الناس حقيقة في الاشتهار بالمروءة والعطف واكتساب شكر الآخرين ودلهم عليهم بالغنى وعزة الثراء إذ يعرضوا عليهم المساعدة والجود. وفي أغلب الأحيان لا يكون الناس راضين عن العطاء ولكنهم راضون أن يعرضوا هذا العطاء، وكلما ازددت رفضاً وإباءاً ازدادوا إلحافاً ورجاء ليغنموا نتيجتين: جرح كبريائك ورجوعهم بعد رفضك غير ملزمين بما وعدوا. وبهذه الطريقة تراهم يتظاهرون بشجاعة غريبة بالاهتمام بالمسألة والرغبة في إنجازها دون أن يخافوا فضيحة أمرهم مؤملين أن يكسبوا من وراء ذلك اعترافات بالجميل دون أن يخسروا شيئاً، حتى إذا ما ظهرت من ناحيتك بادرة الإجابة إلى مطلبهم وقبول منحنهم ولوا منك فراراً!!

- ٦ -

لقد صدق لا. بروبير إذ قال أنه لا سهل على الكتاب السخيف أن يشتهر ويعظم أمره إذا كان مؤلفه مشهوراً من أن يشتهر كاتب وضع كتباً قيماً نفيساً. ويمكننا أن نضيف إلى ذلك أن خير طريق لاكتساب الشهرة ربما كانت في أن يعلن الإنسان عن نفسه بثقة ومثابرة ويؤكد بكل الوسائل الممكنة أنه قد اكتسب تلك الشهرة فعلاً.

- ٧ -

ظن الإنسان الذي يصرح بمتاعبه وأحواله وبفتح قلب همومه وأحزانه مهما كانت منزلة أقواله من الصدق، إنما يهدم في الوقت نفسه صرح منزلته ومقامه في قلي أعز أصدقائه عليه. ولكن ينبغي للإنسان أن يتماسك لدى الخطوب ويثبت عند صدمات النوائب ويحتفظ