بكرامته الشخصية وبذلك يرغم الآخرين على احترامه ويحملهم على الإعجاب بمتانة خلقه وعظمة نفسه. فإجلال الشخص نفسه إن لم يبدأ أولاً في قلب الإنسان فإنه لم يخلق في قلوب الآخرين. وإذا لم يكن الإنسان ذا شعور خاص بكرامة نفسه فإنه يجد هذه لكرامة في مكان آخر.
- ٨ -
إن الناس يضحكون غالباً مما يعجبون به كالثعلب الذي يحكم بحموضة العنب الذي يوده ولا يقدر عليه! فالناس أشوق ما يكون إلى الظفر بالحب العميق الصادق مع ما فيه من حزن وفرح وهم في الوقت عينه يحملون عليه ويوسعونه ذماً. وكذلك العاطفة الشريفة أو العمل العظيم الحليق بالإعجاب والإجلال يكتم الناس شعورهم نحوه لا يعترفون به. ولا سيما إذا كان من استحق منهم هذا الإعجاب هو من أصحابهم وطبقتهم فيرون من لهوان على أنفسهم أن يقروا له بذلك الإعجاب والاحترام ويعمدون إلا السخر منه والتحقير به. وهذا العمل مطرد في حياة الإنسانية في كل يوم حتى أصبح من الضروري للإنسان أن يعمل على إخفاء كل مكرمة ونبل أكثر مما يعمل على إخفاء هفوة أو رذيلة. ذلك لأن الرذيلة على ما يظهر هي مبدأ السواد لأعظم من الناس فهم يغفرونها ويصفحون عنها على حين أن المكرمات والعظائم أعمال غير مألوفة ولا شائعة فيقابلونها بالشك والارتياب.
- ٩ -
ليس شيء أدعى إلى السخرية والغرابة كتعمد الناس أن يظهروا على غير حقيقتهم. فالفقير والجاهل والقروي والمريض والعجوز كل أولئك لن يكونوا أبداً موضعاً للغمز والاستهزاء والسخرية ما داموا لا يحاولون الظهور بغير ما هم عليه. ولكن العجوز إذا تصابى والفقير إذا ادعى الغنى والريفي إذا تحضر والمريض إذا تظاهر بالصحة والجاهل إذا ادعى العلم فإنهم يصبحون جميعاً خليقين بالسخرية والاستهزاء ومبعثاً للفكاهة والضحك. من ذلك يتضح لنا أنه ليست معايبنا ونقائصنا هي سبب الضحك والسخرية ولكنه تكلف إخفائها والتظاهر بخلافها.
- ١٠ -
إن الذين لا يغامرون بأنفسهم في المجتمعات والمجالس فلما يكونون من أهل الوحشة