السلطة مالا يود عماله ولما كان أغلب صغار الحكام من طبقات الأمة المتوسطة سرت روح الحرية شيئاً فشيئاً حتى بلغت الفئات النازلة. ثم أن الملوك أنفسهم كانوا يقرون بفضل فئة من أشراف المصريين عضدتهم وشدت أزرهم ورفعتهم إلى عرش الملك فكانوا يملقون هؤلاء النبلاء ويسبغون عليهم ذيول العز ويغمرونهم في كل آن بوافر النعم وجزيل الإحسان حتى إن أول ملك من ملوك الأسرة الخامسة استعمل على مصر السفلى حاكماً كان قبل نبيلاً وقد أوشك هذا العامل أن يستقل بولايته لولا ضعف حزبه وأنصاره على أن كل الذنوب السياسية تغتفر في سبيل ما أرغم ملوك الأسرة الخامسة على نشره من العدل في ربوع مصر فشعر الشعب الذليل بنعمة الحرية بعد أن ذاق صنوف المذلة والهوان على أيدي جبابرة الأسرة الرابعة أمثال خوفو وخفرع ومنقرع القساة القلوب الغلاظ الأكباد العتاة الظالمين الذين سجلوا على نفوسهم ذنوباً لا يمحوها كر الدهور ولا ينسخها مر العصور بل ما دامت الأهرام الكبرى تناطح السماء وتقاوم طوارئ الحدثان وتهزأ بتعاقب القرون على القرون والأزمان على الأزمان وتشهد بأن كل صخر من صخورها هو دمع متحجر من دموع الشعب الذليل المهان الذي سيق رغم إرادته والشمس المحرقة ترشقه بسهامها والصحراء الحامية تدمى أديم أقدامه بجمر أديمها والسوط المثلث مصوب إلى ظهره والسيف المرهف مكان الغلالة من نحره سيق هذا الشعب المظلوم على تلك الصورة المفزعة تنفيذاً لرغائب عتل زنيم ومعتد أثيم أصابه مس من الجن فظن أن نفسه الخبيثة لا يليق بها إلا ذلك الهرم الجسيم أو أراد أن يخلد ذكره على صحيفة مصر فسفك دماء أبنائها ليكتب بها سطراً في الصحراء لابد أن يمحوه الزمان وما زوال ذكر الظالمين وآثارهم على الظالمين بعزيز!
لست أدري لماذا ألوم ذلك الظالم الجهول خوفو اوكيوبس الذي تعددت أسماءه تعدد أسماء ابليس اللعين واللوم خليق بالمؤرخين الذي ذكروه وذكروا أمثاله من الظالمين أشباه نابوليون الصغير ونيرون أكثر مما ذكروا صولون وسقراط وأرسطو وأفلاطون وكان الجدير بهم أن يمحوا أسماءهم من كتبهم لئلا ينالوا بهذا الذكر ما كانوا يروجونه من الصيت العتيد والشأو البعيد.
نقول ومدح الأسرة الخامسة في عرض الكلام على عتاة الأسرة الرابعة عدل انظر إلى