كهنة فتاح. وكانت تلك النهضة الأدبية معززة بنهضة سياسية أخرى لأن ملوك تلك الأسرة تنازلوا عما كان عليه أسلافهم من البطش والتفرد بالسلطة المطلقة وأذنوا لاكابر وزرائهم باقتسام نفوذهم والاشتراك معهم في تدبير شؤون الملك وقد وصل الأمر بالوزراء إلى أنهم انتحلوا لأنفسهم لقباً ثابتاً هو لقب فتاحوتب فكان فرعون في الإمارة وفتاحوتب في الوزارة ثم أن الوزير الأكبر كان يترك منصبه لابنه يرثه بعده كما كان الملوك يورثون الملك بعضهم بعضاً فكأن البلاد كانت في الواقع محكومة باسرتين متضامنتين متكافلتين ومنشأ هاتين الاسرتين من الكهنة ورجال الدين الذين تغلبوا على أذناب الأسرة الرابعة فغلبوهم على أمرهم وانتزعوا الملك من أيديهم ثم اقتسموه بينهم فكان الملك نصيب كهنة مدينة الشمس هليوبوليس والوزارة نصيب كهنة فتاح وهم لا ريب أضعف من كهنة مدينة الشمس نفوذاً وأقل شأناً وشأواً. وهذه الحقيقة التاريخية تعلل تساهل ملوك الأسرة الخامسة مع رجال الدين واستسلامهم لهم تعليلاً حسناً لأنه لولا ذلك اللين وتلك المحاسنة مااستطاع فريق من رجال الدين أن يستقل بالملك مادام الكل يطمع فيه والشعب المصري المسكين يمرح في نعيم الجهل بعد أن حجب هؤلاء الخونة المستبدون من رجال الدين وغيرهم عنه نور العلم وضياء المعرفة وخلوه يرسف في قيود الذل ويعمه في ليل من الغفلة ولولا ذكر بعض حسنات الكهنة في كتاب بعض المؤرخين وثقتنا بهم وسعة اطلاعهم لارتبنا في وصفهم كهنة الأسرة الخامسة بالصلاح وقولهم عنهم أنهم كانوا في معابدهم يعملون على ترقية الأخلاق بنشر الفضائل وحث الناس عليها.
بيد أن القوة المهولة الساهرة على حياة الشعوب التي لا تأخذها سنة ولا تغفل عما يفعل الظالمون انتقمت للضعفاء من الأقوياء وانتصرت من الباطل للحق فحدث ما كان في الواقع نتيجة منطقية لتلك المقدمات وهو أن عمال الحكومة كبارهم وصغارهم رأوا كيف انتزع الكهنة الملك من أيدي أصحابه وتعلموا على أيديهم طرق الاغتيال فسنوا لأنفسهم سنة جديدة وهي أن يورثوا أولادهم مناصبهم من بعدهم فكان كل عامل يخلفه ولده ليكون خير خلف لخير سلف. . وبعبارة أخرى كانت الحكومة المصرية في ذلك العهد وراثية (بيروقراطية) وفي هذا النظام من منازعة الحكام والعمال للملوك نفوذهم مالا يخفى لأن كل حاكم أو عامل في الحكومة يرى لنفسه حقاً وراثياً فيها فلا يستطيع الملك أن ينال من