للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

كانت منفيس وما والاها من المدن مقر ملك الأسرة الخامسة المصرية التي بدأت دولتها في وادي النيل سنة ٢٧٥٠ ق. م أي منذ ستة وأربعين قرناً وكان ملوك تلك الأسرة إذا ورت أحدهم الملك وتربع في دست سلفه أضاف إلى اسمه لقب ري وقد حقق المؤرخون أن الكهنة هم الذين نصحوا الملوك تلك الأسرة بإسناد هذا اللقب إلى أسمائهم لأن فيه رمزاً دينياً يجعل دار الملك مرتبطة أبداً بالسلالة المقدسة ومعنى ذلك تسليم الملوك أمورهم جلها أو كلها لرجال الدين وإشراكهم في النفوذ والسلطان ودليل المؤرخين على ذلك أن الكهنة حاولوا إقناع أفراد الأسرة الرابعة وكلهم من الجبابرة العتاة بناة الأهرام الكبرى ومؤسسوا الآثار الخالدة أن يشفعوا هذا اللقب الديني (ري) بأسمائهم فلم يرض ملوك تلك الأسرة ولم يفلح الكهنة في سعيهم. ومما يؤكد ويؤيد حجة المؤرخين في قولهم بخضوع الأسرة الخامسة لرجال الدين واستسلامهم لهم أن الكهنة فرضوا على كل ملك من ملوكها أن يبني على مقربة من قصره معبداً فخيماً يسميه هيكل الشمس المقدس وكانت هذه الهياكل تمتاز عن غيرها بأنها مربعة الشكل وفي كل واحد منها غرف رحيبة وفي مؤخر المعبد مرتفع من البناء عليه مسلة منقوشة باذخة يرمز بها إلى إله الشمس رافعاً رأسه إلى السماء. وكانت غرف المعبد المذكورة آنفاً مزدانة بالصور والنقوش التي تمثل منابع النيل وما حولها من البحيرات والجبال وفي بعضها صورٌ تمثل الصحراء الواسعة الأكناف والبحر المحيط المترامي الأطراف وبعضها يمثل أهل مصر في مزارعهم ومتاجرهم ومصانعهم. وكان في كل معبد مكان خاص بالملك يصور فيه حوادث عهده الحربية والسلمية ويظهر ان الكهنة الذين أشاروا على ملوك الأسرة الخامسة بتشييد تلك المعابد أمروهم بالعناية بها ووقف ريع الضياع والحقول عليها وتعهدها من حين إلى حين بالهدايا والتحف وكانت تلك الهياكل في الواقع كأديرة النصاري وتكايا المسلمين يقتسم خيراتها من الكهنة من تقدم في السن أو لحقته الأدواء والعاهات العائقة عن القيام بشعائر الدين وقد انضم بعض شبان الكهنة إلى مشايخهم حيث كانوا يعملون على ترقية الأخلاق بنشر الفضائل وحث الناس عليها ويذكر المؤرخون إن ذلك العهد كان بدء نهضة علمية أدبية ففي أيام الملك ايسوسي آخر ملوك الأسرة الخامسة نشأ حكماء فضلاء وكتاب مجيدون أشهرهم واضع هذا السفر الجليل الوزير فتاحوتب (الفتاح العليم) وهو وزير مصر ومحافظ المدينة وقاضي القضاة ووارث