وتمتنع عن دفع الضرائب إلى الخزانة البريطانية والالتجاء إلى قضاة المحاكم البريطانية وإدارتها وتقليد الانجليز في مبادئ الأخلاق وفي الآداب وفي حركة العلم وفي تيار الشعر والنثر. وبذلك كله تصبح ايرلندة قائمة بذاتها وتكتب بيدها في لوحة التاريخ ايرلندة الحرة بلا انجلترة.
ذلكم الكاتب القوي العظيم الجبار الروح الذي كان القائد الأول من قواد النهضة، والجندي السائر في الطليعة، كانا رجلاً بسيطاً يدعى آرثر جريفيس وهو فتى ملتهب الروح. ناضج الذهن، اجتمعت فيه الروح السلتية بالخيال الايرلندي، وكان رئيس تحرير تلك الصحيفة الأسبوعية، التي كانت تعيش في العن مظاهر الفقر عام ١٩٠٣، في شارع مهجور من شوارع عاصمة ايرلندة، حتى لقد وصفها أحد الكتاب الفرنسيين الذين اتفق لهم رؤيتها في ذلك الحين فقال إن إدارة تحرير تلك الصحيفة لم تكن إلا حجرة صغيرة ضيقة الجوانب، لا ينفذ إليها بصيص الضياء إلا من نافذة واحدة قد استعيض عن زجاجها صحائف الجرائد، ولا تحتوي من الأثاث إلا كراسي قذرة علاها الماد والصمغ والتراب وقد علل فقر تلك الصحيفة كثيرون بسوء حالها وقلة دخلها. وآخرون زعموا أن أصحاب الصحيفة أنفسهم هم الذين أبوا إلا أن تظهر بهذه الحال الرثة، وتبدو بذلك مظاهر الفقر، حتى لا تقع أدوات المكتب وأثاثاته إن احتوت منه الشيء الفخم والمظهر الغني في أيدي الشرطة وتحت طائلة القانون الذي كان يصادر الصحف التي تكتب في حدود التطرف وتنشيء المقال الثائر المخيف من تلكم الحجرة الصغيرة.
ومن وسط مظاهر ذلك الفقر الشديد والرثائة البادية راحت إذ ذاك كلمات ذلك الكاتب تخرج ملايين من أهل ايرلندة إلى النور وتشيع في أجزاء الإمبراطورية كلها، وتنتقل في ندوات البرلمان. وكان ذلك الرجل يكتب فكأنما كان محامياً أصولياً مدرها يحمي عن الحق، ويبسط مبادئ القانون، وكأنما كان قاضياً يصدر حكمه من دست القضاء.
وكان المجمع الغالي في ذلك (نسبة إلا بلاد غاله - وبلس) العهد قد أعاد ماضي اللغة وأقر رجعتها الايرلندية إلى البلاد، وأسس الروح الغالية القديمة، ولكن كان الفلاحون والزارعون الصغار في الوقت نفسه منكبين على شراء الأراضي والانتفاع بالمخترعات الحديثة الزراعية في الاستثمار والاستكثار حتى أصبح لا هم لهم إلا الأرض تخرج لهم الحب