للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الجزع من سرعة القطار وكان من الصعب إقناعه بوجوب ركوب القطار إلى مدينة فيشي للاستحمام بمياهها المعدنية المشهورة فإن المسافة شاسعة والسفر مع حاشيته الكبيرة والضباط الفرنسيين الكثيرين شاق بالسيارات. فبعد أيام ثلاثة من مقامه بمارسيليا ركب المركبة الخاصة به في القطار الذي أعد له ولحاشيته وحرسه ليقله إلى ذلك المصطاف الجميل فما كاد القطار يترك إلافريز وينهب الأرض نهباً. حتى جزع السلطان واضطربت أعصابه واشتد قلقه ولم يستطع أن يكتم خوفه ويسر جزعه فلما زاد القطار سرعته. صاح السلطان طالباً إيقاف القطار وقال أنه يؤثر أن يصل إلى فيشي سعياً على القدم من أن يظل دقيقة واحدة في ذلك القطار اللعين. وبلغ جزعه الحد الأقصى. وتناهت مخاوفه. إذ بلغ القطار فسرب فيه وما لبث أن جري في ظلمة طخياء وحلكة شديدة وكان منظر السلطان يستثير الشفقة فقد جعل يتشبث بذراع الضابط الفرنسي الذي كان بجانبه والرعب في عينيه وهب لا ينفك يصيح. قل لهم أن يوقفوا القطار. لماذا لا تأمرهم بإيقاف القطار: وكان رعب حاشيته من المراكشيين أشد ظهوراً. إذ جعلوا يصرخون ويتماسكون ويتشبثون بعضهم ببعض خوفاً وهولاً ثم ما لبث القطار أن نفذ من النفق فعاد يجري في أرض سهلة وضياء منبسط فاستوى السلطان في مجلسه وسرى عنه. وذهب الروع، وراح يقول في لهجة عظيمة جريحة متألمة تكرم بكفهم عن هذا العمل!

قال الضابط: أخشي أن لا يكون ذلك ممكناً.

فقال السلطان: ولماذا

قال الضابط: لأن القطار لا بد من أن يجري في سفح الجبل

فنهض السلطان من مجلسه وراح يقول: إذن فيجب أن يقف القطار عن المسير وسأمشي فوق الجبال حتى الحق به عند تركه هذه الجهة.

فصاح الضابط مقاطعاً مبيناً للسلطان مقدار المسافة: فلم يكن من السلطان إلا أن قال لا اتهمني المسافة أصلاً: فإنني أفضل أي شيء غير هذه الالآم التي يحدثها لي القطار.

فبعد لأي استطاع القوم الذين حوله أن يقنعوه بالرضي بالسفر فأذعن صابراً: ولكنه لم ينفك طول المساء يلعن مخترع القطارات وبناة السكك الحديدية ويشتم مخترعي الفق خاصة وبفردهم بذمه ولعناته. وحدث عن الأشياء الكثيرة التي جعل يشتريها الحفيظ ولا حرج ففي