ذات يوم ونحن في فيشى معه انطلق السلطان فزار ضيعة قريبة من الموضع وأصر على أن يطوف خلالها ويجوس بين ديارها وأرباضها حتى جاء إلى مكان اجتمع فيه قطيع كبير من الماشية فقرر السلطان ابتياع القطيع برمته ودفع إلى صاحب النعم بطاقته (كرته) وقال: لترسل الأغنام بهذ العنوان الليلة وكان العنوان الذي ذكره في البطاقة، فندق ماجستيك وهو أبدع قصور فيشى وفنادقها الفخمة، فما كادت تؤذن الساعة الحادية عشرة من تلك الليلة بعينها. وهي الساعة التي يكون الفندق فيها في أشد حركته، والنازلون به في أشد سمرهم، وأعز حوارهم وطوفاتهم حتى جاء صاحب الفندق إلى وأخبرني بأنه قد وصلت إلى الفندق سبع وعشرون بقرة بيضاء على غير انتظار وقد ادخلت رحبة الفندق وهي إذ ذاك به، فرأيت ثم أبقاراً بيضاً غلاظاً، تجري مصطدمة متدفعة في وسط عشرات من السيارات وهي في خوار وصياح، والخدم حولها مزدحمون بفصلون بعضها عن بعض، تلك كانت صفقة السلطان، ولا أعلم أين كان مبيت تلك الأبقار في تلك الليلة، ولكن اضطر صاحب الفندق في اليوم الثاني أن يجد لها مكاناً صالحاً.
وكان السلطان يتناول العشاء في حجرة الطعام الكبرى في الفندق، وقد أعدت له مائدة متعالية حتى يكون على مستشرف من الآكلين جميعاً - وهم صفوة أهل باريس، وخيرة النجوم المتألقة في الحياة، وأعمدة المجتمع التسامية، ففي ذات مساء، والقوم صافون حول الموائد والسلطان إلى المائدة جالس، إذ جعل ينظر نظرات ذهول وشرود ذهن إلى الجلاس وبرتو إليهم رجل مشفق عليهم. راث لحالهم، وكان قليل الكلام، ملازم الصوت وأخيراً استدعي صاحب الفندق فهرع إليه الرجل في أدب وشدة إجلال فلما وقف أمامه راح الحفيظ يقول وهو يشير إلى جمع الجالسين في المائدة: إن هذا الجمع موزع اسوأ توزيع، وكثيرون منهم لهذا الترتيب السيء متألمون، يبدو عليهم الحزن، وتتجلى شيماء الكآبة على معارفهم، فلنعمل على ترتيبهم كما يجب فإن هذا الرجل العجوز ذا اللحية الشهباء المستطيلة لا حق له في الجلوس بجانب تلك السيدة الشابة الحسناء ذات القبعة الطويلة الجميلة والعقد اللؤلؤى المتلألئ - فإن ثمت فارقاً فظيعاً بين عمريهما، فيجب أن تجاس بجانب ذلك الضابط الفتى الجالس هناك: وأشار إلى مائدة أخرى - لأن السيدة العجوز التي تجلس بثيابه - وكأنها أمه وخالته - هي التي ينبغي أن تكون جلية ذلك العجوز ذي اللحية