البيضاء. ألا ينبغي لك أن تمهد السعادة لضيوف فندقك، وتعمل على راحة النازلين بدارك وهنا أشار إلى جهة أخرى من الحجرة، والآن ألا ترى تلك السيدة الجالسة هناك تبدو حزينة متألمة، وقد جعلت تضرب الصحفة التي أمامها بطرف شوكتها دون أن تمس طعاماً، ويلوح لي أنها كارهة الجلوس بجانب الرجل الذي بجانبها ولعله زوجها. أنني مراقب حركاتها طول هذه المدة وقد رأيتها تنظر إلى الفتى الجميل الذي يجلس هناك وحيداً بفتل شاربه فاذهب وقم بواجب تعريفها بعضهما فإن زوجها لم يخاطبها بكلمة واحدة كل هذا المساء فاذهب وافعل كا أشرت عليك، وبذلك تجعل من مخلوقين محزونين إنسانين سعيدين فرحين فإذا ساء الزوج ذلك، واسوحش العزلة فادع إلى الجلوس بجانبه تلك السيدة ذات الفروع الحمراء التي تخالسه النظرات. وإذ ذاك تستطيع أن تشغله عن زوجته.
هذا التقسيم جميل بلا شك ولطيف الغاية، ولكن للأسف لم يكن في إلا مكان إنفاذه وكانت الأيام التي قضاها السلطان في فيشى غائمة سوداء لا تطالعها شمس، ولكن لم تلبث الشمس أن أعلنت نفسها فكان صباح جميل ناضر، فرأى السلطان أن يغير المكان الذي اعتاد المكث والمبيت، فوجد في الناحية المقابلة حجرة ذات شرفة ازدانت بالأزاهر، فدخلها وفي أثره غلمانه وخدمه، ولما رأى الشرير فيها أمر الغلمان بأزاحته إلى جانب الناقدة المؤدية إلى الشرفة، وجلس هو على الزرابي في الشرفة جلسة القرفصاء وراح يطل على الشارع. على أن تلك كانت السيدة نبيلة من الروس وكانت قد ذهبت إلى الحمام لتبترد، فلما انتهت من الاستحمام دخلت الحجرة متفصلة من ثيابها ليس عليها إلا ثوب الحمام فإذا بها أما رجل شرقي أسمر المعارف، وحوله غلمان سود، وخدم في القفاطين، فذعرت السيدة، ولكن السلطان قابلها بأشد الاحتشام، وألطف عبارات التأدب، ودليل الأدب أنه عزم عليها إلا ما جلست بجانبه على الزرابي. فقابلت السيدة ذلك بالتلطف ولولا ذلك لازداد الأمر حرجاً، ودعى كاتب هذه السطور في الحال لفض المشكل، فانفض على خير وجاء زوج السيدة فجعل الزوجان يضحكان من هذه المباغتة المسرحية.
ومثلت ليلة في الأوبرا تحت رعاية السلطان وكانت الرواية غنائية، وأنتم تعلمون أن الغناء في مراكش أو قل في الشرق عامة يختلف والغناء الفرنجي أشد الاختلاف، وكان المغنى في تلك الرواية رجلاً جهيراً ذا صوت كالرعد، غما كادت الأوركسترا تعزف وتعينه على