للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قامت هذه الغادة نم مجلسها فدنت مني في لين وخفة ثم رفعت الثلاث الزجاجات من أمامي وابتسمت حينما رأتها جميعاً فارغة. فراعني ثغرها الوضاح إذ رأيت ملثمها الحلو الرضاب

يفتر عن لؤلؤ رطب وعن حبب ... وعن إقاح وعن طلع وعن برد

ثم أني يدها وسألتها أن تجلس إلى جانبي ففعلت بلا احتشام ولا كلفة ودعت للعشاء على نفقتها. فرنوت إليها دون أن أنبس بكلمة واغرورقت عيناي فراعها مني ذلك وسألتني السبب ولكني وجمت فلم أحر جواباً سوى أني هززت رأسي كأني أبغي بذلك إطلاق العنان لمدامعي فأدركت الفتاة أن بي حزناً مضمراً وكمداً مستسرأ. ولكنها لم تحول استخراج دفائنه. ولا أراغت استثارة كوانمه. ببد أنها أخرجت منديلاً وجعلت أثناء تناول الطعام كلما فيض الدموع على وجنتي تمسح سيلها المنحدر. ودفاعها المتفجر فآنست في طبع الفترة مزيجاً من الغلظة والرقة ولالين والخشونة. وودجت في خلقها خليطاً نم القحة والرحمة والجرأة والحنان حتى جرت في أمرها وتعذر على أن أقف على حقيقة كنهها وماهيتها. فلو أن هذه الفتاة لقيتني صدفة في الطريق فتناولت بدب بمثل ما أبدت من الوقاحة وقلة الحياء لاستبشعت عملها واستبشعت صنعها. ولكن أدهشني جداً أن فتاة لم ترها عيني قط قبل الساعة تأتي فتجلس إلي ثم تؤاكلني وتمسح بمنديلها دمعي بلا أذني معرفة ولا مقدمة - حتى بقيت من الدهش صامتاً لا أفوه بكلمة أشعر بتقزز واشمئزاز يشوبه من الميل إلى الفتاة والافتتان بها. وهنا سمعت صاحب الحان يسألها هل تعرفني فأجابته نعم وسألته أن يتركني وشأني، وبعد برهة انصرف المنقامرون، وأغلق الخمار الباب الخارجي ومضى إلى خلف المكان وتركني والفتاة في خلوة. وكان هذا قد حدث بغاية السرعة حتى حسبتني في حلم وكأن خواطري وأفكاري تتعسف في متائه وأغماض وتتخبط في الغاز وأنفاق، وقد خيل إلى أني خولطت في عقلي أو أني أأتمر بوحي قوة آلهية وشيطانية.

فصحت بالفتاة فجأة (من أنت؟ وماذا تريدين؟ ومن أين تعرفينني؟ ومن أمرك أن تمسحي مدامعي؟ أهذه وظيفتك التي تؤدينها في الدنيا؟ وهل حسبت ني في حاجة إليك؟ ألا فاعلمي أني لن أمسك بأطراف أناملي؟ فخبرني ماذا تصنعين وماذا تبغين؟ هل المال تريدين؟ وهل بإظهار العطف والحنان لأبناء السبيل تحترفين؟ وبإبداء الرأفة والرحمة للمحزونين