للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن ذا الذي يستطيع أن يصف بالكلام ذلك المعنى الذي لا شيء يسعه ويحتويه أو يشرح بالألفاظ ذلك المثل الأعلى من الحياة المثلى الذي يحسه المرء في أعماق قلبه ولكنه يشعر مع ذلك أتن الطبيعة لم تخلقه.

وكذلك الشاعران العظيمان وردذورث وشلى كانا مفعمين بمعنى ذلك السر الباهر المتجلى من وراء ظواهر الكائنات الطبيعية. فأما وردذورث فقد كان هذا السر يبدو لعينه هائلاً ذا معنى أخلاقي عظيم أو كما قال ذلك الشعار في بعض قصائده كان يبدو له كصوت مرحب منفرد في خلوة الطبيعية المنعزلة انظر إلى قوله:

لقد رأيت في كل كائن من كائنات الطبيعة - في كل صخرة وثمة وزهرة بل في كل حجر مفكك مما يكسو ظاهر الثرى - حياة وروحاً. لقد أعرت كل هذه شعوراً ووجداناً - لقد رأيت كل هذه تحس وتشعر وإن تشأ فقل أني ألحقتها بما له شعور وإحساس. أجل يا صاحبي أن كتلة الكون العظيمة لتبدو لي كأنها مغمورة في أثناء الروح مائجة خفاقة وكأن كل ما وقع عليه نظر يتنفس عن معان باطنة. ويبوح بأسرار كامنة.

وقد سمي وردزورث في قصيدة أخرى هذا السر الخفي الأنباء الصحيحة الواردة من قدسي المصادر عن خفايا الوجود هذا السر الخفي - هذا المعنى المستتر هذه القوة الرهيبة والحضرة المهيبة، التي تظهرها الطبيعة وتخفيها. وتنشرها صحيفة الوجود وتطويها، هذا الروح الخفي، والسر الجلي، لم يكن وردزورث الشاعر يدرك حقيقة ماهيته، أو يتجلى معالم صورته، أو يستطيع شرحه بالبرهان، أو يطيق وصفه بالقلم واللسان، بيد أن الذي قد=من عليه الله سبحانه وتعالى بوميض من ذلك النور المقدس ولمحة من ذلك السر الروحاني يطرب لا مثل شعر وردزورث الآنف الذكر ويرتاح لخفي معناه. وغامض مغزاه. ويبتهج بكل ما شابهه وجانسه من شعر ذلك الشاعر العميق - كالقطعة الآتية:

أسفر الصباح كالملك ذي السلطان يحتال في حاشية نم النساء، وموكب من الأنوار والأضواء، وكالبحر الجياش منفسح إزاءه مشرق الغرة، ضاحك الأسرة، وعلى كثب من ذلك تسمو الجبال الشماء، إلى عنان السماء، مصقولة الجوانب كأنها السحب الغراء، قد غمرت في نهر من الضياء، أما المروج الخضر والسهول والوديان فكانت ترفل في أبهى حلل الفجر الأرجواني. والصباح المتورد القاني، قد حليت نم الندى إجيادها بأمثال نظم