للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجمان وسحبت عليها الشمائل مطارفها عفية الذيول ممسكة الأردان، والدوح نم رحيق الجداول مرنح الأعطاف نشوان، والطير من طرب يرجع الهديل ويردد التحنان.

أفبعد هذا كله يعجب الناس أن رأوني أبدي غاية الفرح والسرور. وأعلن أقصى غاية الجذل والحبور. وهل أنا في حاجة أن أقول أن قلبي كان بالسعادة فياضا وأني تسربات من أنس هذا الصباح ثوب ملذة فضفاضا. في تلك اللحظة المانوسة عاهدتني الطبيعة على أن أكون في معبدها المقدس حد خدمته: وفي محرابها المطهر بعض سدنته. في هذه اللحظة السعيدة بايعتني الطبيعة على أن أظل روحاً من أرواحها الطاهرة. وملكاً من ملائكتها البارة: وبهذه البيعة الشريفة تمسكت وبهذا السبب المتين تعلقت: وها أنا ذا سير في ساحة الطبيعة الرحيبة: وأمرح في مراتعها الخصيبة: مباركاً مبروراً ممتعاً مسروراً:

ولكن خبرني أيها القارئ ماذا كان يرى جيران وردزورث من القرويين السخفاء: والفلاحين الأغنياء: ماذا كان يرى منهم حينما كانوا يرونه يسير - على حد قوله - في ساحة الطبيعة الرحيبة: ويمرح في مراتعها الخصيبة: عاشقاً لبديع الكائنات مستهاماً: مشغفاً بروائع الآيات صبوة وغراماً: بالسر الجليّ مولعاً مفتوناً وبالروح المقدس الخفي مولها مجنوناً؟ ماذا كان أغنياء المزارعين من عادى الناس يرون في شاعر بريطانيا الأكبر. وهو هائم على وجهه في السهول والأوعار. والحزون والأغوار: والبراري والقفار: كالصيد النافر والوحش الضاري. أو كالظبية التي قد تاه رشأها وطلاها: مولهة قد ضل بالقاع خشفاها: ينهب الأرض نهباً: ويستعف الفضاء تمهلاً أرخبباً: شارد الذهن فيما يظهر لبصائرهم العمياء عازب اللب شارد العقل - ماذا كان أولئك الغوغاء - وإن كان فيهم السري والوجيه والغني - يرون في شاعر بريطانيا بل في شاعر العالم أجمع - شاعر الإنسانية في كل زمان ومكان - سوي شخص أحمق معتوه أبله قد مسه الخيال - وما ذلك إلا لأنه قد خالف سيرتهم: وتنكب طريقتهم فلم يجعل غرضه الأبعد وهمّه الأوحد من الحياة زراعة الأرض مثلهم وبذر البذرة وسقى الأغراس والعزق والجني والحصاد وتربية الماشية والدجن وهلم جراً: وما أحسب أن أحد هؤلاء المزارعين القصار الأبصار الكلال البصائر خطر بباله قط أن يسائل نفسه - إذ ينظر إلى شخص وردزوروث غارقاً في بحار تأملاته - في أي شيء يفكر مثل هذا المخلوق وماذا يدور بخلده وماذا عسى أن تكون تلك