بويع الخليفة العباسي هارون الرشيد يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبعين ومائة للهجرة ومات يوم السبت لأربع ليال خلون من جمادي الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة فكانت ولايته ثلاثاً وعشرين سنة وستة أشهر وولى الخلافة وهو ابن إحدى وعشرين سنة ومات وهو ابن أربع وأربعين سنة وأربعة شهور - وكان على مملكة الرومان الشرقية في خلافة الرشيد قسطنطين السادس من سنة ٧٨٠ - ٧٩٢م ثم نيسوفورس المعروف عند العرب باسم - نيقوفور - من سنة ٧٩٢ - ٨١١م وقد عثرنا على هذه الرسالة في كتاب اختيار المنظوم والمنثور الموجود في المكتبة الخديوية معنونة بهذا العنوان الآتي - ومن الرسائل المختارة رسالة أبي الربيع محمد بن الليث إلى قسطنطين ملك الروم - ثم افتتح الرسالة بما يأتي - من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى قسطنطين عظيم الروم الخ الخ فبحثنا في كتب التاريخ التي تحت أعيننا عن هذه الرسالة وعمن كتبها ومن كتبت عنه ومن كتبت إليه فلم نر ذكراً لشيء من ذلك وغاية ما يمكن معرفته هو أن هذه الرسالة أرسلها هارون الرشيد إلى قسطنطين السادس والذي كتبها عن الرشيد هو أبو الربيع محمد بن الليث - أما الرسالة فأثر من أحسن الآثار وأسلوبها أسلوب الطبقة الأولى من كتاب العربية الجاحظ وابن المقفع وعبد الحميد الكاتب وابن العميد وأضرابهم ولذلك آثرنا نشرها في البيان وهذه هي:
من عبد الله هارون أمير المؤمنين إلى قسطنطين عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى فأني أحمد الله الذي لا شريك معه ولا ولد له ولا إله غيره الذي تعالى عن شبه المحدودين بعظمته واحتجب دون المخلوقين بعزته فليست الأبصار بمدركة له ولا الأوهام بواقعة عليه انفراداً عن الأشياء أن يشبهها وتعالياً أن يشبهه شيء منها وهو الواحد القهار الذي ارتفع عن مبالغ كذا صفات القائلين ومذاهب لغات العالمين وفكر الملائكة المقربين فليس كمثله شيء وله كل شيء وهو على كل شيء قدير.
أما بعد فإن الله جل ثناؤه وتباركت أسماؤه قال لنبيه صلى الله عليه فيما أنزل من آيات الوحي إليه: أُذعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين: فرأى أمير المؤمنين من أحسن