للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يسبقاها أما ما يباين ذلك فليس إلا خلطاً وخبطاً في الواجبات المفروضة وخروجاً عما قاله تيوفراسطس الحكيم من أن إيصال حبال الصداقة قبل المعرفة ما هو إلا قطع بها بعد التعارف. فتروّ طويلاً ودقق في اختيار الصديق وإذا أنت ظفرت بصديق صادق فافتح له قلبك واجعله موضع ثقتك كما تثق بنفسك بل أشير عليك بأن تكون محبتكما خالية من التكلف جامعة إلا لما فيه مطمع لطعن الأعداء فيما تتبادلان من الأفكار والآراء وأن تجعله موضع سرك إلا ما جرت العادة بجعله سراً بين المرء ونفسه، فينبغي أن تبثه أحزانك وأشجانك وتطارحه أفكارك واعتقد فيه الإخلاص لك تجده مخلصاً إذ كم من مرة في الواقع علم الإنسانُ الغش والخيانة من اعتقاد الناس فيه أنه غشاش خائن لأن عدم الثقة قد يولد الخيانة، وما معنى الصداقة إذا كنتُ أكتم صديقي سراً أبوح به للناس؟ ولمَ لا أعتقد أنني وصديقي إذا اجتمعنا إنسان واحد؟ على أن في الناس من قد يبوح لأول قادم بما لا يجوز إلا للصديق وحده معرفته والاطلاع عليه ويصدع آذان الناس بأسراره التي لا تحتملها نفسه، ومنهم من هم على العكس من ذلك يخشون إفشاء أسرارهم حتى إلى أخلص أصدقاءهم وأعز أحباءهم وعلى أنفسهم لو أمكنهم ذلك كتمانها في أعماق قلوبهم فتجنب أنت هذين الطرفين في شؤونك وأسرارك لأن الثقة بكل إنسان وعدم الثقة بإنسان رذيلتان متشابهتان وفي الأولى منهما من سلامة النية بمقدار ما في الثانية من فرط الاحتياط، ومما يجب أن يلام المرء عليه أيضاً ملازمة الحركة أو مداومة الراحة فالحالة الأولى وهي مما يعجب به الجمهور من الناس تدل على قلق النفس وشرتها والثانية وهي كراهة الحركة واختيار الراحة أن هي إلا طريق الضعف والسقم واسمع لهذه الحكمة التي قرأتها اليوم في مؤلف بومنيوس حيث قال: إن من الأعين أعيناً لا تبصر جيداً إلا في ظلمة الليل ولكنها تعشو في ضوء النهار فينبغي أن نجمع بين الحالين ونؤلف بين الطرفين فنتبع العمل الراحة والراحة العمل وسائر الطبيعة تجبك بأن بارئها أوجد فيها الليل والنهار فجعل النهار معاشاً والليل سباتاً. (متلو)

آثار عربية

من ملك إلى ملك

رسالة هارون الرشيد إلى قسطنطين ملك الروم - يَقِفُه (يوقفه) فيها على الإسلام ويبين له