للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المؤثرات بالنفس أقدمها عهداً. وإذا طلبت مثلاً على ذلك فإذا كركم من رجل - ولا سيما الكريم العنصر الشريف المحتد - يضحي الضحايا العظيمة من ذات ماله وجاهه ونفسه ليفي بموعد أو يبر بقسم ولا باعث له على ذلك سوى ما كان أبوه لا يزال يوصيه به في الصغر من أن الرجل الشريف الكريم البعيد الهمة لا يمنعه من الوفاء بالعهد مانع مهما عظم

الفيلسوف - لقد غابت عنك أن هذه لن تنجع حتى تصادف المؤثرات من المرء نفساً شريفة وغريزة كرم ونبل فهي كالبذور ولا يزكو لها غرس وتينع ثمرة حتى يصيب تربة خصبة كريمة. فلا تعز إلى الدين خطأ من حسن الأثر ما هو في الحقيقة نتيجة الغريزة الطيبة والخلق الشريف الفاضل الذي يعز على صاحبه أن برى الشخص المقصود بالإساءة يقاسي الألم والعذاب فيمنعه ذلك من إتيان الجريمة - فالزاجر إذن عن الجريمة هي الرحمة الغريزية الفطرية التي لا صلة لها بأن تعاليم الدين البتة.

الفقيه - ولكن هذا الباعث الغريزي من الرحمة والمروءة لا يكون له تأثير في الجماعات حتى يمزج بزاجر من الدين يظل له بمثابة مؤيد ومعضد. على أن البواعث الدينية وحدها بلا أساس ولا معين من الغرائز الفاضلة قد تمنع من ارتكاب الجرائم. وما هذا بمستغرب في أمر الجماعات إذا ذكرنا أن طوائف المتعلمين المستنيرين ربما تأثروا في كثير من الأحايبن بالعوامل الدينية بل بأسخف الخرافات والترهات يسترشدون بها ويستهدون في كثير من شؤونهم طول أعمارهم - كأن يمتنعوا مثلاً من مباشرة الأعمال أيام الجمعة ويأبو الجلوس على المائدة ثلاثة عشر نفساً ويؤمنون بالعرافة والقيافة يتشاءمون بالبوارح. ويتفاءلون بالسوانح - وإذا كان هذا شأن المتعلمين المستنيرين فكيف بالجهال من الغوغاء والدهماء. وإنك يا صديقي لن تستطيع أن تتصور شدة ما نشأت عليه أذهان العامة من الضيق وعقولهم من الكثافة والبلادة فإنها وأيم الله مفعمة بالظلمات ولا سيما إذا كان ينبوع مادتها القلوب الخبيثة والنفوس الخسيسة. فأمثال هؤلاء وهم السواد الأعظم من البشر ينبغي أن يسيروا ويقادوا جهد الطاقة بالبواعث الخرافية حتى يرتقوا بفضل التأديب والتهذيب إلى مستوى إدراك ما وهو أقرب إلى الحقيقة وأبعد من الخرافة وحسبنا دليلاً على قوة سلطان الأديان. وبليغ أثره في النفوس والأذهان. ما يزوى عن الثقات من أن