للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أو تنكيل أو تمثيل. ولهل هذا يرجع إلى ما يغشي تلك العصور الغابرة من ظلمات الخفاء وغياهب الإبهام بيد أن ما اشتهر به دين البراهمة من فرط التسامح واللين والدماثة الدالة على أن القوم كانوا أشفق وأبرّ بمخلوقات الله نم أن يتعمدوا إلحاق الضرر حتى بالنملة والبعوضة يؤكد لنا أن أهل تلك الملة لم يعولوا قط بسفك الدماء وتمزيق الأشلاء. وأنهم كانوا بلا شك أحقن الطوائف لدم العباد. وأزهدهم في الحرب والجلاد. وقد أورد المؤرخ الجليل سنبس هادري في كتابه البديع المعنون الرهبنة في الشرق فصلاً صافياً في مدح البوذيين ووصفهم بأقصى غاية اللين والتسامح واحتج بقوله هذا بأن تاريخ البوذية أقل التواريخ الدينية حوادث قتل وذبح وكوارث ظلم وضيم. والحقيقة هي كما قدمنا أن أقل الملل تسامحاً وأشدها عنفاً وقسوة هي الأديان التوحيدية. ولا بدع في ذلك فإن الإله المفرد يكون بطبيعته إلهاً غيوراً لا يسمح بوجود أدنى شريك ولا يقبل أي منافس ولا مزاحم. وعلى العكس من ذلك ديانات الشرك التي يتولى رئاسة الكون فيها آلهة عدة تكون بطبيعتها متسامحة متساهلة. فهم يأخذون بالمذهب القائل عش ودع غيرك يعيش. فهم يحتملون زملائهم المشاركيهم في سياسة الدين هم أربابه هذا التسامح يسرى منهم فيما بعد إلى أرباب الديانات الأخرى. حتى لتراهم يرحبون بآلهة الأديان المغايرة لدينهم يتلقونهم بأعظم البشر والاحتفال والحفاوة ولا يمنعوهم من التمتع بمثل مالهم من الحقوق والسلطات والامتيازات. وأصدق دليل على ذلك ما كان من أمة الرومان إذ رحبوا بآلهة اليونان والمصريين وغيرهم نم الآلهة الأجنبية. ومن ثم ترى أن الأديان التوحيدية هي وحدها التي سوّدت صفحات التاريخ بشنيع الفظائع من حروب التعصب والاضطهادات الملية ومحاكم التفتيش وما إلى ذلك من الشنائع كتحطيم الصور والتماثيل وإتلاف أصنام الآلهة وتخريب آلهياً كل الهندية والمعابد المصرية التي حيت بشرفاتها العالية طلعة الشمس ثلاثة آلاف عام. وكل ذلك السفك والسفح. والقتل والذبح. والتخريب والتحطيم. والتدمير والتهديم. لأن إلهاً غيوراً ظهر فقال لا إله غيري. حطموا الأوثان لا أوثان معي! الخ. الخ

والخلاصة أنك محق في قولك أن العامة تحتاج إلى الدين تفسيراً للغز الحياة والموت والواجبات والفرائض، ولكن أري الدين لا يسد هذه الحاجة وإن أضراره على العموم أكثر نم فوائده. وقد رأينا أن منافعه من حيث ترقية الآداب مشكوك في صحتها. ولكن مضاره