للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا سيما ما ارتكب باسمه في سيبله من الفظائع الآنفة الذكر محققة مؤكدة. على أن لا أنكر منفعة الدين لأرباب العروش من الملوك والسلاطين والقياصرة فإن الدين قوام دولهم وعماد أرائكهم وروح سلطانهم. وذلك أنه لما كانت العقيدة السائدة في الممالك المطلقة والدول الاستبدادية أن العرش هو هبة الله أصبحت الصلة بين العرش والكنيسة متينة مؤكدة. ولذلك ترى الملك الشديد التعلق بعرشه يأبى إلا التظاهر لرعيته بمظهر الورع التقي المتدين. ولقد رأينا كتاب السياسة يوصون الملوك بالتعبد والتدين حتى الكاتب الشهير ماكيافيلي أوصى بمثل ذلك في الباب الثامن نم كتابه الأمير فحث الملوك على الصلاح والتقوى والإكثار نم التعبد، والله والناس يعلمون أنه كان أخبث خلق الله نية. وأفسدهم طوية. وأضعفهم ديناً وأمرضهم يقيناً. أضف إلى ذلك أن الديانات المنزلة تنزل من الفلسفة منزلة سلطة الملوك الإلهية الصدر من سلطة الأمة. فلا غرور إذا رأيت تناسباً وملائمة بين الشطرين الأوليين من الموازنة أعني بين الأديان وبين سلطة الملوك.

الفقيه - لا تضرب على هذا الوتر يا صديقي واذكر أنك بتصريحك هذا إنما تزين الفتنة وتروج الفوضى وتحاول هدم الأصول والشرائع والنظم والقوانين بل هدم المدنية الإنسانية.

الفيلسوف - أنت محق في هذا. لم تكن هذه مني إلا ضرباً من المغالطة والسفسطة - أو ما يميه معلم السيف - حيلة وخدعة. وإني وحقك لساحبها ولكن أرأيت كيف تفسد المجادلة على الرجل عدله وإنصافه وتتركه حائراً متعصباً خبيثاً. فلنكف الآن عن المناظرة والمنازعة.

الفقيه - يسوءني والله أن أرى تعبي ومجهودي قد ضاع عليك عبثاً وإني لم أستطع مع كل ما بذلت وحاولت أن أغير في الدين في رأيك فلتعلم أنت أيضاً أنك لم تستطع أن تغير في الدين رأيي.

الفيلسوف - لا أشك في ذلك ولا عجب، فلقد قال هو ديبراس من وافق على الشيء مضطراً، فما تحول عن رأيه فترا. ولكن لي بعد عزاء عما يبدو لي الآن من ضياع تعبي في المثل القائل إن متعاطي المناظرة كمتعاطي المياه المعدنية كلاهما لا يظهر فيه أثر ما تعاطاه إلا بعد حين