وإذا وجدت لها وساوس ساوة ... شفيع الضمير إلى الفؤاد فسلها
وهذا من اللطافة على ما يشهد لنفسه. وممن قصد من العرب قصيده كله على اللزوم كثير عزة وهي القصيدة التي أولها:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا ... فلوصيكما ثم حللا حيث حلت
وهذه القصيدة تزيد على عشرين بيتاً وهي مع ذلك سهلة لينة تكاد تترقرق من لينها وسهولتها. وبعد فإن ما يقع من هذا النوع لمتقدم فهو غير مقصود منه ولذلك لا يرى عليه من أثر الكلفة شيء أما المتأخرون فقصدوا عمله وأكثروا منه حتى أن أبا العلاء المعري عمل من ذلك ديواناً كاملاً سماه ديوان اللزوم فأتى فيه بالجيد الذي يحمد والردىء الذي يذم - انتهى. أما لزوميات شوقي فهي كلها آيات فقد تنزهت عن شوائب الغموض، وخلصت من أكدار الحشو والتعقيد وهي بعد ذلك لا ترد على السمع فتصدر إلا عن استحسان - فكأنه التزم ما يلزم لا ما يلزم. . . وذلك عنوانه الشاعرية الحقة، والعبقرية الصادقة، وآية من آيات خصوبة الذهن وصفاء الروح والقريحة السمحة الحافلة، فضلاً عن غزارة المادة، وسعة الاطلاع والبسطة في العلم وامتلاك ناصيتي البيان، وهكذا فليكن الشعراء - وهكذا شوقي - ومن هنا كانت هذه الملحمة خليقة بأن تكتب على جبين الدهر، وأن يستظهرها الناشئون في جميع الأقطار العربية بعد أن يستظهروا كتاب الله. وهنا نطلب إلى كل قارئ أن يفتح ذهنه تفتيحاً حتى يفطن - مستعذباً جذلاً - بتلك الأسرار وأسرار البلاغة ودلائل الإعجاز التي ينطوي عليها شعر شوقي، والتي تطالع الذهن الثاقب من خلال كل بيت بل كل كلمة فتعبث باللب كما تعبث الشمول - قال حفظه الله تحت هذا العنوان:
الخصمان
يا فطِناً بسير الكبارِ ... مُفتتناً بغرر الأخبارِ
وطالبَ الجوهر في التراجم ... مُلتمسَ التِبرِ من المناجم
جئتك بالبرجاس والمريّخ ... خَصمَين بين يدي التاريخ
فرنْتُ خيرها تقىَ وعلماً=بخيرها سياسة وحلما
بل قرنْتُ بينهما أيدي الغِيْر ... وافترقا على التلافي في السير
أبو الشهابين وهل يخفى القمر ... والثاقبُ الرأي اللعوب بالزُمر