فانطلقت إذ ذاك من الدكان هارباً من وقوعي في مخالب نمرة (٢) ورأيت أن أجول جولة في الطريق ثم أرجع علّ الله يحدث من بعد ذلك أمرا وعسى أن يكون النحس قد أدبر والسعد قد أقبل وقلت إلا ان في كل حركة بركة. ودوام الحال من المحال. وكذلك جعلت اتعلل بهذا وبمثله من الحكم والأمثال. وقد آثرت الفرار من الدكان والعودة بعد فترة على أن اجبه الحلاق نمرة (٢) وقد دعاني إلى كرسيه - بالرفض وقولي له أني منتظر زميله. فأنى وربك شديد الخجل مفرط الحياء لا أستطيع أن أخجل إنساناً ولو كان الحلاق نمرة (٢). ولو كنت سأذوق على يديه الأمرين.
ثم إني عدت بعد ربع ساعة فألقيت كراسي الحلاقة الثلاثة مشغولة جمعاء. ووجدت بالمكان أربعة رجال في الانتظار صامتين واجمين كأن على رؤسهم الطير تبدو عليهم إمارات القلق والضيق شأن كل من قضى عليه أن ينظر نوبته في دكان حلاق. فرأيت أن أزجي الوقت بإجالة النظر في دواليب المكان وما احتوته من أمتعة وآلات وبتلاوة ما على الجدران من الاعلانات عن كافة أنواع الأدوية والتراكيب والأدهنة والروائح والزيوت وما على الزجاجات من الأسماء الدهنية. وعلى القناني من السطور الزيتية، ثم انتقلت إلي الصور الرخيصة المعلقة على الجدران أنظر ما بها من تصاوير الحروب والمدافع والأساطيل ورجال السياسة والملوك والبرلمانات والسلاطين. ثم أخذت بعد ذلك أتعلل بغناء الكروان وثرثرة الببغاء اللذين لا تكاد تخلو منهما دكانة حلاق. ثم عمدت من بعد ذلك أتعلل بتلاوة ما بها من الأكاذيب والاختلافات.
وبعد أن فنى صبري. وضاق الكون في بصري. سمعت منادياً ينادي باسمي فالتفت فإذا هو نمرة (٢) فاستسلمت للأقدار، وأذعنت لحكمة المنتقم الجبار. وهذا هو لا يزال بقع ويحدث. ثم أخذت مجلسي تحت سلطانه، وسألته مبتهلاً متضرعاً أن يسرع إذ كان لدي من الحاجات ما يعجلني ويرهقني. فضاعت عليه تضرعاتي ضياعها على الحجر الأصم. وعلى الوثن والصنم. ثم أنه دفع رأسي يجمع كفه ووضع فوطة من الأمام. وبعد ذلك عاث بمخالبه في