أنفسهم في خلق الله النظر ولا رجعوا كما قال الله عز وجل الفكر ولو اعملوا فكرهم واجتهدوا نظرهم فيما تسمع آذانهم وترى أبصارهم من حوادث حالات الخلق وعجائب طبقات الصنع لوجدوا في أقرب ما يرون بأعينهم من التأليف لتركيب خلقهم والأثر في التدبير لصنعهم ما يدلهم على توحيد ربهم ويقف بهم على انفراده بخلقهم فإنهم يرونه في أنفسهم بأعينهم ويجدونه بقلوبهم مخلوقة أي أنفسهم صنعة بعد صنعة ومحولة طبقة عن طبقة ومنقولة حالاً إلى حال سلالة من طين ثم نطفة من ماء مهين ثم علقة ثم مضغة ثم عظماً كساه الله عز وجل لحماً ونفخ فيه روحاً فإذا هو خلق آخر فتبارك الله أحسن الخالقين الذي خلق في قرار مكين من ماء قليل ضعيف ذليل خلقاً صوره بتخطيط وقدره بتركيب وألفه بأجزاء متفقة وأعضاء متصلة من قدم إلى ساق إلى فخذ إلى ما فوق ذلك من مفاصل ما يعلن وعجائب ما يبطن ليعلم الجاهلون ويوقن الجاحدون أن الذي جعل ذلك وخلقه ودبره وقدره وهيأ ظاهره وباطنه إله واحد لا شريك معه فلا يذهبن ذكر هذا صفحاً عنكم ولا تسقط حكمته جهلاً به عليكم وفكروا في آيات الرسل وبينات النذر فإن في ذلك فكراً للمبصرين وبصراً للمعتبرين وذكرى للعابدين والحمد لله رب العالمين. وأمير المؤمنين واصف لكم ومقتص من ذلك إن شاء الله عليكم ما فيه شهادات واضحات وعلامات بينات ومبتدئ بذكر آيات نبينا محمد صلى الله عليه فيما أنزل الله منها في الوحي إليه فإنه ما أحد يقرع بآيات النبوءة قلبه ويخصم بينات الهدى عقله إلا قادته حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه لا يجد إلى إنكار ما جاء به من الحق سبيلاً فأردت أن تكونوا على علم ومعرفة ويقين وثقة من أمر محمد صلى الله عليه وحقه وما أنزل إليه من ربه عز وجل فأحضر كتاب أمير المؤمنين فهمك وألق إلى ما هو واصف إن شاء الله سمعك.
إن الله عز وجل اصطفى الإسلام لنفسه واختار له رسلاً من خلقه وابتعث كل رسول بلسان قومه ليبين لهم ما يتقون ويعلمهم ما يجهلون من توحيد الرب وشرائع الحق لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً فلم تزل رسل الله قائمة بأمره متوالية على حقه في مواضي الدهور وخوالي القرون وطبقات الزمان يصدق آخرهم بنبوّة أولهم ويصدق أولهم قول آخرهم ومفاتح دعوتهم واحدة لا تختلف ومجامع ملتهم ملتئمة لا تفترق حتى تناهت الولاية والوراثة التي سيدنا عيسى عليه السلام عليها (كذا ولعلها فقام