للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من ناحية العاطفة إنما يتفقون المفكرين والعلماء الذين ينادون الناس إليه من ناحية الغريزة ويقاء النوع. لأن هؤلاء يرون أن الفرد يجب أن يخضع لمطلب المجموع. ولو درسنا الزواج من الناحية العلمية. لم نجده ضرراً للإنسانية أو أذى. وليس فيه ما يحول بين الفرد وتنمية قواه وذاتيته. وليس عائقاً دون النجاح في الحياة. لأن أوفا من المتزوجين استمدوا من الزواج ومطالب الأسرة والعناية بابنين. وتربية الأطفال قوة كبرى وكدحاً أعظم. وأنك لترى الذئب الوحيد أشد الوحوش شدة وحولا إذا عضه الجوع بنابه. ولكنك ترى كذلك الذئب ذا الجراء والصغار يطلب غذاء أشد منه وحشية إذا استنفره. وتلك حال الناس حذوك مثلاً بمثل. فهم أشد كدحاً وأدأب على العمل. وأجلد على العناء إذا كانوا يعملون لأنفسهم وأطفال لهم وزوجات في ذمتهم منهم إذا كانوا طليقين أعزاباً منفردين بذاتهم.

ولم تقل الطبيعة بأنه لا بد لارتباط الجنسين، المرأة والرجل، والذكر والأنثى، من وجود مصدر لذة كبرى للأبوين بل أرادت أن تكون الغاية من إنشاء الذرية أسمى من ذك وأعظم. بل في كثير من طبقات الحيوانات الدنيا نرى الطبيعة تضحى لأب أو الأم في سبيل الطفل، ولبقاء النوع، فإن الحشرة المسماة دودة القز لا تلبث أن تموت إذ توشك أن تضع أفراخها، وتترك عند موتها غطاء جمها ليكون غلافاً واقياً لنسلها، ومن هذا ندرك أنه إذا كانت مصلحة النوع تتوقف على مصلحة الفرد من ناحيته، لا تزال مصلحة النوع تتطلب من الوجهة الأخرى بعض التضحية من الفرد، على أن النصيب الأكبر من المتاعب في عالم الحيوانات الدنيا لا يزال واقعاً على الصغار، وهذه تبيد في أغلب الأحيان ألوفاً ألوفاً، فإن الحوت قد ينتج أكثر من مليون بويضة ولكن لا يعيش من هذا المقدار العظيم إلا الألف أو أقل من ذلك قدراً، وقد أرادت الطبيعة أن يكون أكثر طبقات الحيوانات الدنيا أشد حناناً على صغارها من فريق كبير من أهل المدينة الذين يعتزون بأنهم أصابوا المكانة العليا على الحيوان، فإن عدد اللقطاء الذين يلقون على قوارع الطريق، من وراء الارتباط الأثيم، وإغواء العذارى العفل، وخديعة النساء المتزوجات، لا يزال معرة إنسانية كلها، ومن أقسى الحقائق التي اهتدى إليها الاحصائيون أن موالي الأطفال المزنمين غير الشرعيين أقل من الأقاليم الجاهلة التي جادت فيها الأمية، وفشى الجهل، وضعف مستوى الحضارة، عنها في البلاد المتناهية في المدينة، التي أدركت أوج التهذيب، فإن عدد أولئك المواليد في بلاد مثل