للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الزواج. لا يزال آخذا في الازدياد. مربيا على عدد الذين يؤدون أكبر الواجبات الإنسانية المحتمة على الجنس في سبيل بقائه. فإن هؤلاء متناقصون في كل يوم. منزوون. آخذون في القلة والاضمحلال.

هذه هي الحقيقة الواقعة في العالم المتحضر كله في السنين لأخيرة، فإن الرفاهية وتكاثر أنواع النعمة. وازدياد ألوان الترف. وحشد المصانع ألوفاً من ضروب البهجة واللذة، قد أفسد على الإنسانية عملها الأول. وبث في شباب العالم روح الأنانية اللئيمة القذرة الثوارة المستبدة. وجاء الكتاب الأدعياء. والشعراء الأخساء، ضعاف القلوب والأبصار فراحوا يعلمون الناس أن الزواج يحول بين الرجل والمرأة وبين تنمية شخصيتهما. وتهذيب قواهما السامية. وآخرون أشد من أولئك كلبية وأنانية يقولون أنه يحول بينهما وبين النجاح في الحياة. ولا يكون مآل ذلك إلا أن الفرد يصيب اللذة. ولا يصيب المجموع إلا الفناء والانقراض. والفتى الحدث يعلم انه مدين بوجوده في الحياة لآبائه وأجداده. ولكنه من الأنانية وحب ذاته بحيث لا يرد أن يحمل مصباح الحياة فيمشي به إلى الأجيال القادمة كما حمله آباؤه من قبل.

ونحن قد رأينا من خلال صحائف التاريخ أن جملة من أكبر المدنيات التي ظهرت في العالم تهدمت ودالت دوائها وبادت. لأن العمل على بقاء النسل، والاحتفاظ بالجنس، ضعف في قلوب أهلها وغلبت عليه أميال أخرى. وقهرته رغبات ونزعات متباينة. ولم يقتل مدينة الإغريق. ويحطم حضارة الرومان. إلا قلة الزواج في أخريات أيامها. وولوع الناس من العاهل إلى أحقر رجل في الصفوف الرومانية، بجميع وسائل الحيوانية. واشباع الشهوات. وكثرة ألوان الرفاهية والترف.

وهذه النكبة التي وقعت لتلك المدنيات القديمة تكاد تحف اليوم بحياة العالم المتحضر. ولا تزال الإنسانية سائرة في الطريق التي سارت فيها اليونان ورومة القديمة. فقد جن جنون الناس رجالاً ونساءاً اليوم بحب المال. والتهالك على كسبه. والتنعم بلذته. وإيجاد ألوف من وسائل الترف واللذاذات. حتى أصبح سواد شباب الإنسانية يؤثرون العيش في ظلال العروبة طوال حياتهم.

ونرى كبار الشعراء والروائيين يمجدون الحب الذ يؤول الحب الزواج، وبتمجيدهم الزواج