والآن ما هي هذه التغييرات التي ألزمت الإنسانية بأن تفكر في ضرورة إبطال الحروب دفعة واحدة. فقد كانت الحرب قدماً قي جميع البيئات الإنسانية فكرة مهذبة بانية مقررة منظمة. وهذا ما لا يشك فيه إلا القليلون. والفضل في إصلاح السنن السياسية وتنظيم العلاقات الدولية راجع إلى الحرب. ومن الحرب وثب. وقد قام كيان كل أمة في العالم على أمرين وحيدين هما الدفاع والهجوم. كما قام التعاون في التجارة والصناعة على الاحتكار والضغط والإجبار. فإذا أجمعت الإنسانية الآن فجأة نيتها على إبطال الحرب - فستجد أن هذه النية ستؤدي إلى تنقيح القواعد والمبادئ الاجتماعية والسياسية في العالم كله.
هذا هو المبحث الذي سنفرد له هذه الأبحاث التباع، ولب البحث في هذا السؤال. ماذا يكون حال العالم إذا انمحت الحرب من الدنيا كلها، وماذا يجب أن نصنع إذا هي نفيت ومنعت إلى الأبد من النشوب بين الناس والناس إذ يجب أن لا ننسى هذه الحقيقة وهي أن إبطال الحرب بتة ليس أمراً سهلاً ولا خطوة طبيعية ذلولاً. بل إن إبطال الحرب إذا نحن استطعنا أن نحققه وننفذه. سيكون رجعة وانقلاباً في الحياة الإنسانية العامة. ونقضاً لقوانين الطبيعة نفسها - قوانين تنازع البقاء. بل سيغير وجه الحياة بأجمعها. والتاريخ الإنساني كله. وسنحاول في هذه الأبحاث شرح العبء الذي سيلقى على عاتق العالم إذا ألغيت الحرب حقاً وأبطلت. وتفهيم الناس أن محاولة إبطال الحرب بتلك المحاكم والمجالس التي يسمونها عصبة الأمم ومؤتمر الشعوب وهلم. هو في ذاته أشبه بمحاولة إبطال الظمأ والجوع والموت من الدنيا بإصدار قانون من البرلمان وليس النجاح في الأمرين والتوفيق في المحاولتين إلا واحداً.
دعنا أولاً نفحص التغيير الذي طرأ في شؤون الحياة الإنسانية فحول الحرب من طورها العادي وهو تنازع الجماعات الإنسانية على البقاء فأصارها شناعة وهولا ونذير الخراب للجنس الإنساني بأسره فنقول: إن هذا التغيير في جوهره لم يكن إلا تغييراُ في مقدار القوة المهيأة لأغراض الناس ومصالحهم ومقاصدهم. ولا سيما مقدار القوة المادية التي يستطيع الفرد الواحد أن يديرها فقد كانت القوة الإنسانية منذ قرنين فقط أحد أمرين فقط. قوة العامل: وقوة الحصان فضلاً عن مقدار معين من القوة المائية والقوة الهوائية. وقد ظهرت