البوادر الأولى لهذا التغيير الذي أدى إلى هذه الحرب منذ سبعة قرون. أي منذ اختراع البارود إذ استخدم المغول في القرن الثالث عشر للقتال الاكتشاف الذي اكتشفه أهل الصين. وهو البارود. فاستفادوا به فائدة حربية كبرى. إذ أغاروا على الممالك المعروفة إذ ذاك وفتحوا البلدان. ولم يلبث بارودهم أن طاحَ بالقصور وهدم الحصون. وهزأ بالقلاع والأسوار. وأبطل الفروسية. وبروز القرن للقرن. ووثوب المغوار على المغوار. وخرب أرض ما بين النهرين. وأفسد نظام ريها. على حين كانت تلك الأرض آهلة متحضرة قبل عهد الدنيا بهذا التاريخ المعروف، ولكن كعرفة ذلك العصر بعلم المعادن وصهرها وما يجري مجرى ذلك كانت محدودة ضيقة المضطرب فلم يتجاوز حجم ما اخترع يومذاك من المدافع والبنادق ومدى مرمى القذائف حداً محدوداًّ، ولكن لم يكد يقبل القرن التاسع عشر حتى اتسع نطاق المخترعات من جراء نمو العلوم الكمية والمخترعات الحديدية وإنما بدأ اتساع نطاق القوة الإنسانية في القرن الثامن عشر باستخدام الفحم والبخار ففاضت المخترعات فيضها. وألقت في أيدي الناس مقادير عظمى من القوة والنشاط لم يبلغ نهايته حتى اليوم ونحن لسنا بحاجة إلى تكرار القصة من أولها فذلك أمر معلوم للناس قاطبة. كيف أن التلغراف والراديوجرام جعلا كل حادثة خطيرة تسير سير البرق فتبلغ كل ذهن من أذهان الدنيا في لحظة واحدة. وكيف كانت الأسفار تستغرق الأشهر فراحت لا تأخذ من المسافر أياماً وهلم وهلم مما تعرفونه ولا حاجة على التغني بذكره أو بسط تأثيره في فنون الحرب وإنما ما نقصد إليه هو أن الجماعات الإنسانية قبل عصر المخترعات طالما تناحرت وتناجزت وتلاكمت أشبه بشجار الصبيان في (الكتّاب) أو المدرسة الابتدائية في دائرة قوتهم النسبية وقد آذت كل أمة صاحبتها ولكنها لم يعدم بعضها البعض كلية ولهذا يصح لنا أن نعد تلك الحروب القديمة مقوية صالحة مروضة مهذبة. ولكن دخل هذه المدرسة الابتدائية العلم فدفع في أيدي هؤلاء الأطفال السكاكين والمواسى مسمومة الأطراف والسنان والقنابل والمفرقعات والسوائل والغازات الخانقة اللعينة. فانقلب شجار هؤلاء الأطفال في الحال فكان منه ويل وشناعة أي ويل وأية شناعة. وما لبث صحن الكتاب أن تغطى بأكداس الجثث ورميم الأشلاء وقد يكون تداخل (عريف) الكتاب حائلاً بين الأطفال وهذا الشجار المقيت. ولكن الإنسانية واأسفاً ليس لها عريف إلا حكمتها الفقيرة