المسكينة. والمشكلة الكبرى التي تشغل أذهان الإنسانية في العصر الحاضر هي هل تستطيع هذه الحكمة المسكينة أن تحدث أثراً فعالاً وتداخلاً متيناً يمنع هذه الحروب الموحشة المخيفة.
بيد أن هذه الأسلحة المميتة المهلكة لا تزال تنمو وتزداد ولقد اطردت زيادتها من سنة ١٩١٤ إلى أوائل سنة ١٩١٨ إذ حيل بينها وبين الاندفاع والتكاثر - من أثر النقص في المواد والفتور في النشاط، ومنذ عقد الهدنة والعلم الحربي لا يزال يدأب على النمو والازدياد. ولقد أكد لنا علماء الحرب أن الحرب القادمة - إن هي وقعت - ستكون أثر من تلك الدابرة سرعة واتساعاً في نطاق التدمير والحصد. إذ لم تعد الجيوش بعد اليوم تتقدم على طرق دروب بل ستنتشر في مركبات كبرى تحرث الأرض التي تجري فوقها حرثاً. وتقلب أديمها قلباً. وستكون القذيفة ترمى من قباب السماء كافية لحصد مدينة بأسرها على مسافة ألف ميل وراء خط النار وسينسف ما على ظهر البحر من سفائن وعمائر ولن يكون ثمة تمييز بين المحاربين وغير المحاربين من العجزة والشيوخ والأطفال والنساء. فسيحصدون حصداً. لأن الكل مستهلك طعاماً. والطعام أبقى للقوي وأجدي عليه. والحرب حرب. وديدنها الهول والنكر. ويجب أن يضرب المحارب بكل ما استطاع من قوة. ولكن يكون انتصار المنتصر إلا فوز الرجل المتعب المنهوك القوي المضمحل المحتضر على الرجل الميت الخامد الأنفاس.
ولقد قيل وذهب الرأي إلى أن لا حرب كحربنا الماضية (١٩١٤ - ١٩١٨) واقعة إلا بعد ردح طويل من الدهر. من جراء ما هزت تلك من كيان المجتمع. ولكن ليس في هذا الرأي ما نفرح له وبه نبتهج. لأن معناه أن ما دامت الإنسانية ضعيفة مريضة فقيرة فلا حرب ولا قتال فإذا نقهت وأبلت عادت إلى الحرب وآضت إلى القتال. بأهول مما بدت الأولى وأشنع. بفضل ما اخترعت الإنسانية منذ ذلك العهد واستحدثت. وأنه ما دامت الانقسامات والاختلافات باقية فلا بد من رجعة الحرب رجعة شنيعة رهيبة. تهدم البناء من قواعده إذن ليس هناك حل لهذه المشكلة. وشفاء من هذه الآفة إلا أمراً واحداً. وهو إعادة بناء المجتمع الإنساني على نظام وطريقة وطراز يكره الناس في الحرب كراهية التحريم. فقد أصبح العالم مجموعة واحدة متصلة بعضها ببعض كالحلقة المفرغة وقد تستطيع الإنسانية أن