المجهود ضعفت فينا قوة بذل المجهود واضمحلت وماتت ومن ثم نسوق لك الحكمة الآتية قاعدة مطردة وركناً من أركان الأدب وهي: أحي في نفسك ملكة (بذل المجهود) وجدد نشاطها برياضة نفسك على ذلك بما تيسر من أعمال الخير والمروءة تأتيه على سبيل التمرين ليس إلا أو بعبارة أخرى ألزم نفسك خطة الزهد أو خطة البطولة في صغائر الأشياء غير الضرورية أعني اصنع كل يوم فعلة أو اثنتين وإن لم يكن ثمت باعث على ذلك سوى عدم ضرورتها يكن ذلك رياضة لنفسك على أعمال المروءة وتدريباً لها على مواقف الجلد والصبر والبطولة حتى إذا وقع المكروه وأزفت الآزفة وجدتك جلداً متيناً راسخ القدم رابط الجأش ثاقب العزم وثاب الهمة. فمثل هذه الرياضة والتمرين على الصبر والزهد والخشونة تعد بمثابة الضمانة التي يدفعها المرء لشركات التأمين على المال والحياة. فإن الضريبة المدفوعة لذلك قد لا تعود بالفائدة العاجلة وربما ينقضي العمر ولا تعود بعاجلة ولا آجلة. ولكنة إذا وقع البلاء وشبت النار فعلاً في دارك كان فيما دفعته من تلك الضريبة النجاة من النار والفرار من الدمار. وكذلك الرجل الذي ما برح يروض نفسه كل يوم على الجد والنشاط والهعمة والزهد والقشف في صغائر الأمور ودقائق الشؤون. فإنه إذا أزفت الآزفة وعصفت العاصفة وعاد كل شيء حوله يموج ويضطرب ويميد ويتزلزل رأيته تحت هذه المحن الطائرة والخطوب الثائرة كالبرج المشيد والطود الشامخ.
هنالك تتجلى عنه الغماء. وتنجاب الأواء والعزاء. وتنكشف الظلمة الطخياء. أثبت ما يكون وأرسى. وأصلب ما يكون وأقسى. بينما غيره منت الضغنة العجزة الرعاعيد يتبددون هباء. ويذهبون جفاء.
إلا أن جهنم التي يتوعد بها العصاة في الآخرة ليست شراء من جهنم التي نشعلها لأنفسنا في الحياة الدنيا بصوغ أخلاقنا وتصويرها على صورة كاذبة وصبها في قالب مشوه. فلو أن الصبي أدرك أن لن يكون في مستقبل عمره سوى مجموعة أو حزمة من العادات تسعى على قدم وساق إذن لزاد عنايته بسلوكه وسيرته وهو في دور التكوين إذ عوده رطب الملامس غض المكاسر يلين تحت الثقاف المقوم ويطاول أنامل الطابع المهذب. والواقع أن المرء خالق نفسه وواهب حظه وممهد سبيله ونهجه وحائك لنفسه ثوب العيشة مسعوداً أو منحوساً حوكاً باقياً على الدهر لا طاقة للمقادير بنقضه ولا حلة فما من حركة خير أو شر