للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يأتيها إلا تاركة بجوهر نفسه أثراً لا يزول ما بقي فيه عرق ينبض. لقد جاء في قصة الروائي (جيفرسون) أن السكير (فانوينكيل) يعتذر لنفسه عن كل خطيئة يأتيها بقوله (هذه المرة لا تحسب). سبحان الله! ما هكذا تكون التوبة والأنابة. فهبك أيها المغرور أنك لا تحسب هذه المرة وهب الملك القدوس الغفور الرحيم قد وهبك زلتك وأقال عثرتك فلم يحسب أيضاً هذه المرة فهل ذلك بحائل دون حسابها وتسجيلها؟ كلا! فإن في خلايا أعصابك وأنسجتها ستحسبها عليك الذرات بالعمليات الكيمياوية وستعدها وتحصبها وتسجلها وتخزلها لتقوم ضدك وتتألب عليك متى عاودتك أسباب الغواية والإغراء ثانياً. فما من شيء تأتيه إلا تسجله عليك وتغرزه فيك يد لا ماجى الدهر لأثرها. فعليك من نفسك عين يقظة لا تنام ولا تغفل، ورقيب عتيد يحصي عليك ويسجل. على أن لهذا التسجيل ناحية نفع كما له ناحية ضرر فكما أن تكرار الدفع المتعددة من السكر يؤول بنا إلى رذيلة الإدمان فكذلك تكرار المبرات يرفعنا إلى منزلة الأتقياء الأبرار ومواصلة ساعات الدرس والكد والتمرين تسمو بنا إلى مرتبة المهرة الحذاق الراسخي القدم في العلوم والمعارف والفنون. فلا يشغلن الفتيان بالهم ولا يتعبن أنفسهم تفكيراً فيما عساهم بالغين من درجات العلم ومراتب الحذق والنبوغ في صناعاتهم وفنونهم أياًَ كانت فإن الشاب الذي ينفق كل ساعات دراسته في الكد والاجتهاد مليء بأن يثق بحسن النتيجة وبلوغ الغاية. فاعمل ما عليك ودع النتيجة وشأنها فستعمل أيضاً ما عليها إذ تنتبه يوماً ما من منامك فتجدك معدوداً ضمن الفحول والنوابغ والفطاحل مهما كانت صناعتك وحرفتك. واعلم أن ملكة التمييز والبصيرة والحنكة والخبرة لا تبرح تنمو فيك وتتكون وسط كل ما تعاني وتعالج من تفاصيل الصناعة وجزيئاتها وتافهاتها وحقائرها حتى تنضج لك هذه الملكة وتستتم وتصبح لك ملكاً ثابتاً (أبقى على الزمن الباقي من الزمن).

غموض الحق حين تذب عنه ... يقلل ناصر الخصم الحق

تجل عن الدقيق عقول قوم ... فتحكم للمجل عن المدق

إذا غمر المال البخيل وجدته ... يزيد به يبساً وأن ظن يرطب

وليس عجيباً ذاك منه فإنه ... إذا غمر الماء الحجارة تصلب

إذا طرف من حبلك انحل عقده ... تداعت وشيكاً بانتقاض مرائره