ابن المنكدر ونافع بن أبي نجيح فقهاء المدينة وربيعة الرأي وابن أبي الزناد فقهاء قباء وطاوس وابن منبه فقيهي اليمن وعطاء بن عبد الله فقيه خراسان ومكحول فقيه الشام والحكم ابن عتيبة وعمار بن أبي سليمان فقيهي الكوفة وهلم، وبالجملة لم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم وظهر بذلك مصداق قوله صلى الله عليه وسلم: لو تعلق العلم بأكناف السماء لناله قوم من أهل فارس، وأما العرب الذين أدركوا هذه الحضارة وسوقها وخرجوا إليها عن البداوة فقد شغلتهم الرئاسة في الدولة وما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام بالعلم والنظر فيه فإنهم أهل الدولة وحاميتها وأولو سياستها مع ما يلحقهم من الأنفة عن انتحال العلم بما صار من جملة الصنائع، والرؤساء أبداً يستنكفون من الصنائع والمهن وما يجر إليها ودفعوا ذلك إلى من قام به من العجم والمولدين - فكان امتراس العجم من القديم القديم في الحضارة وما تستتبعه من العلوم والصنائع سبباً في كيسهم وفطنتهم ونماء عقولهم ورجحان أحلامهم وميران ملكاتهم على الاستنباط والتخريج والتماس الحيل وتوليد المعاني ومن ثم كان شعر الموالي منمازاً عن شعر العرب الأقحاح باستفتاح إغلاق المعاني الدقيقة العبقريات والافتتان فيها وتلوينها بكل لون، وهاك شعر بشار وأبي نواس ومروان بن أبي حفصة وابن الرومي ومن إليهم من الشعراء الموالي، ترى الشاهد الصدق لما أقول، وعرب الأندلس منذ فتحهم هذه البلاد إلى وقتنا هذا لا تزل نزعتهم عربية في كل شيء حتى في شعرهم إلا ما أكسبتهم إياه طبيعة بلادهم وخصوبتها فمن ثم كان فرق ما بين شعرهم وشعر المشارقة في الجملة. .
وبعد أن أتم أبو عبد الله كلامه أفضى بنا الحديث إلى ذكر الغزال الشاعر الأندلسي الظريف - وملحه ونوادره، وهذا الغزال كما أخبرنا ابن القوطية، هو يحيى بن حكم البكري الجياني الملقب بالغزال لجماله وقد كان في الثالثة من بني بكر بن وائل وكان حكيماً شاعراً عرافاً وكان آية في الظرف وخفة الروح، وجهه الأمير عبد الله ابن الحكم المرواني إلى ملك الروم فأعجبه حديثه وخف على قلبه وطلب منه أن ينادمه فتأبى ذلك واعتذر عنه بتحريم الخمر، وكان يوماً جالساً معه وإذا بزوجة الملك قد خرجت وعليها زينتها وهي كالشمس الطالعة حسناً فجعل الغزال لا يميل طرفه عنها وجعل الملك يحدثه وهو لاه عن حديثه، فأنكر ذلك عليه وأمر الترجمان بسؤاله، فقال له عرفه أني قد بهرني