للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليسوا بذلك، إنهم ملكوا كثيراً من الأرض ووجدوا عظيماً من الملك وغلبوا على كثير من الخلق ولبث فيهم عقد الأمر فما استنبطوا شيئاً بعقولهم ولا ابتدعوا باقي حكم في نفوسهم، قالوا فالروم. قال: أصحاب صنعة. قالوا فالصين. قال: أصحاب طرفة. قالوا الهند. قال: أصحاب فلسفة. قالوا السودان. قال: شر خلق الله. قالوا الخزر. قال: بقر سائمة. قالوا فقل. قال العرب. فضحكوا - قال أما إني ما أردت موافقتكم ولكن إذ فاتني حظي من النسبة فلن يفوتني حظي من المعرفة. إن العرب حكمت على غير مثال مثلها، ولا آثار أثرت، أصحاب إبل وغنم، وسكان شعر وادم، يجود أحدهم بقوته، ويتفضل بمجهوده، ويشارك في ميسوره ومعسوره، ويصف الشيء بعقله فيكون قدوة ويفعله فيصير حجة، ويحسن ما يشاء فيحسن، ويقبح ما يشاء فيقبح، أدبتهم نفوسهم، ورفعتهم هممهم، وأعلتهم قلوبهم وألسنتهم، فلم يزل حباء الله فيهم وحباؤهم في أنفسهم. حتى رفع لهم الفخر، وبلغ بهم أشرف الذكر وختم لهم بملكهم الدنيا على الدهر، وافتتح دينه وخلافته بهم إلى الحشر، على الخير فيهم ولهم فقال إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. فمن وضع حقهم خسر، ومن أنكر فضلهم حسر، ودفع الحق باللسان أكبت للجنان.

بيد أن العرب لم يكن لهم بادئ ذي بدء دراية بالحرف والصناعات وبالعلوم وتعلمها الذي هو في عداد الصناعات وذلك لمكانهم من البداوة ورسوخ أقدامهم فيها ومن ثم كانت الشريعة الإسلامية - إذ كان القوم أكثرهم أميين - تتناقل في صدورهم - وجرى الأمر على ذلك أزمان الصحابة والتابعين - فلما بعد النقل من دولة الرشيد فما بعد احتيج إلى وضع التفاسير القرآنية وتقييد الحديث مخافة ضياعه ثم كثر استخراج أحكام الواقعات من الكتاب والسنة وفسد مع ذلك اللسان فاحتيج إلى وضع القوانين النحوية وصارت العلوم الإسلامية ذات ملكات محتاجة إلى التعليم فاندرجت في جملة الصنائع، وهو معلوم أن الصنائع من منتحل الحضر والعرب أبعد الناس عنها والحضر لذلك العهد هم العجم أو من في معناهم من الموالي فكان صاحب صناعة النحو سيباويه ثم الفارسي من بعده ثم الزجاج وكلهم عجم في أنسابهم وكذا حملة الحديث وعلماء أصول الفقه وعلماء الكلام والمفسرون وأكثر فقهاء الأمصار مثل الحسن بن أبي الحسن ومحمد من سيرين فقيهي البصرة وعطاء بن أبي رباح ومجاهد وسعيد بن جبير وسليمان بن يسار فقهاء مكة وزيد بن أسلم ومحمد