بالقوة الخفية، ومن تلك الشخصيات الغلابة الجاذبة التي تطالبك في كل وقت أن تفكر فيها وتقتادك نحوها - سعد زغلول بطل مصر في نهضتها الأخيرة والذي في وجوده بيننا معنى سام يملأ نفوسنا ثقة ويقيناً فإن الأرض التي تنبت الدوحة الباسقة - الوطن الذي ينجب مثل سعد جدير أن يحمل ثراه أدواحاً فارعات نظائر سعد - وظهور بطل كسعد يدل على سلامة عضوية الأمة وقوتها صلبها لأن الأمم الواهنة الدارجة إلى الاضمحلال يندر فيها ظهور العظماء والقوة المكتنة في سعد دليل قوة الأمة وعنوان حيويتها وهذا مما يغمر نفوسنا بنور الأمل الوضاء، إن الرجل الكبير لا يبتكر أفكار عصره ولا يبتدع مبادئه ولا يخلق أمانيه ومنازعه، لأنها كلها مجموعة عضوية مكونة لذهنية الشعب، وهي أكبر وأكثر تعقيداً من أن يوجدها فرد ولكن العظيم ينفخ فيها كلها روحاً من أنفاسه فتتحول الفكرة إلى إحساس دافق والمبدأ إلى عاطفة مستفيضة ويجعل للأمل المتردد الحائر والنزوع القلق الثائر وجهة يتخيلها وتنصب إليها متزاخر تياراتهما وهذا يزيدهما قوة وتدفقاً. وإنه من جانب سعد هبت تلك النسمة المتأرجة التي أحيت القلوب وشدت العزائم، وفي معبد فؤاده الكبير كانت تجول الأفكار البركانية الحارة حتى أصابت من الظروف مخرجاً. وسعد هو ذلك الكاهن الإلهي الذي أوقد النار المقدسة بين أضالعنا وهو الذي جدد أمامنا نواظرنا صوراً شتى من أفاعيل الأبطال، وهو الذي نقل الشعب من التفكير في سفاسف الأمور ومحاقرها إلى التفكير في الغايات العامة الكبيرة ومطالب الحياة السامية النبيلة والعظيم هو الناطق عن الذات العامة لشعبه والناشر لمطوى خوالجه، فآلاف النفوس الصامتة تجد من سعد أصدق معبر عن أمانيها ومطالبها وأفصح ناطق عن آلامها وشكواها وآلاف من الأبطال الراقدين في ظلمة الدهر يتاح لهم منه مجدد لبطولتهم باعث لمجدهم الملحود، وليس العظيم هو أكبر الناس عقلاً فحسب بل هو أسماهم مقصداً وأشرفهم غاية وأقدرهم على التحليق في الأجواء العالية. والعقل أشبه بالضوء ليست له غاية أخلاقية ولكن الإخلاص هو الذي يجعل للعقل الكبير قيمة ولذا فإن عظمة سعد قائمة على صخر مرضم لا تؤثر فيه معاول الهادمين لأن أساسها العقل الكبير والإخلاص العميق، وما دامت نوادر صفاته باقية لا يعتريها التبديل فعبثاً يحاول الأفاكون النيل منها، وليس يكربنا إن غابت وجوه عظمته عن الأغمار الأغبياء من كل خاو النفس فاتر الروح ولئن كانوا يقومون عليه