للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صلابته ويجيلون الألسنة في تشدده ومتانته فإن هذا لمما يزيدنا يقيناً ببطولته، فما كانت الصلابة يوماً مما لا يوصف به زعماء الأحزاب العظماء، ولئن كان قد انفض من حوله كل موصوم الوطنية متهم المأرب فإن هذا مما يزيد عرش ملكه استقراراً في القلوب ويجمع حوله العناصر القوية المخلصة خالية من الأخلاط والشوائب، ولئن تخونه الأتباع ونال منهم الكلالة والإعيار ورأوا أن الطريق طويل والغاية بعيدة فإنه سيمضي وحده، فهو من نفسه الكبيرة في جيش لهام وجمع ضخم، ومن تأبيه وعزته في معقل أشب متعاسر، وقديماً كان البطل أشد الناس إقداماً على المكروه واقتحاماً للمخاطر بل هو الذي يتقدم وحيداً إلى الهاوية التي تكمن فيها أهول المخاوف لإنقاذ وطنه.

إن تلك الوفود التي تتسايل من حواضر القطر ومدنه وقراه وكفوره هي دليل حياة مشرقة ستنجلي عنها أحلك الحوادث ولا يصغر من شأنها إلا من كان يود لبلاده الخراب والاستعباد الأبدي، ويوجد فارق كبير بين الإيحاء الطبيعي للبطل إلى أذهان الشعب الذي تنطبع على قلوب أفراده صور منازع البطل وأمانيه فيلقي إليه المقادة طائعاً مختاراً مقراً بنبله وفضله، وبين إرغام الشعب على قبول فكرة خاصة - ذلك الإرغام الذي يجيء من جانب الحكومات، ولئن كان الأول من أجمل مظاهر تقديس الشعوب لرجالها العاملين المخلصين فإن المظهر الثاني مما يبعث على الحزن والقلق لأنه يشل قوة الشعب ذلك الشلل الذي يسمونه تداهياً بالنظام ويسبب الجمود الذي يخلع عليه اسم الحكمة ويدعو إلى التفريط في الحقوق المقدسة الذي يعرف بالاعتدال وهو ينضب موارد التفكير الحر ويطعن الأمة في صميم رجولتها وأنفتها وإن وراء عواطف الجماهير السريعة التأثر والانفعال عقلاً أعمق من عقل ذوي الفتور والنظرة المقرورة، ومن يتعمق في تفهم نفسية الجماهير يمكنه أن يصل إلى المعنى الجدي الكامن وراء لجاجهم وانفعالاتهم، ومن الخطأ أن نقيس حركات التاريخ بمقياس العقل المدرك ونهمل جانب الخوالج والخياليات وتأثيرها في أرواح الجماهير، وأسمى مزية لرجال التاريخ هي استجاشتهم للعزائم وإثارتهم لرواقد الإحساسات ولذا كان تأثر روسو أوسع مدى وأرمى أطرافاً من تأثير فولتير وإن في قولهم أن صوت الجماهير من صوت الله لمعنى مستدقاً أعمق من أن يدركه الزارون بالجماهير والدين يجهلون أن مشاعر الجماهير الصافية البريئة من الغايات أسمى من كل منطق