للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خسيس مسف، وما دام لا يمكن لكل إنسان أن يكون ذا رأي خاص ومذهب مبتكر وعقيدة مختلقة، ومادام هناك رجل كبير العقل مخلص جاد وآخر كاذب مستخف فإن المساواة مفقودة، وليس هناك من عار في أن يقودنا أكبرنا روحاً وأخلصنا سعياً، وإذا أصبح لكل إنسان من نفسه دليل وقائد فإن هذا مما يرخي أواصر أي مجتمع مهما كانت قوية متماسكة ويسوقه إلى أشنع حالات الفوضى. وأليست الحياة معركة أبدية كبيرة ونحن كلنا جنود نحارب بقولب ملؤها الحزن أو بقلوب مفعمة بالبشر وإن كنا نجهل الغاية البعيدة لهذا التقاتل والتلاحم، فلماذا لا نسلم قيادتنا إلى أكفأ قوادنا وأوفرهم إخلاصاً ونسير تحت لوائه الخفاق؟

قال شاعر خالد (إننا نحيا بالحب والإعجاب والاحترام) وأمامنا الآن عظمة خالية من الشوائب ستتبدد السحب المحتشدة في جونا المتردي بالغيوم فتظهر في نصوعها وجلائها. فلنثبت للعالم أننا خلقاء بالحياة الجليلة بحبنا وإعجابنا واحترامنا لتلك العظمة. عظمة سعد زغلول.

(٣)

مما يؤثر عن الذين لاقوا كبار المصلحين وأرباب المذاهب الجديدة وزعماء الثورات الفكرية والانقلابات الاجتماعية أمثال نابليون بونابرت وميرابو والسيد جمال الدين الأفغاني والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده وأمثالهم من الزعماء والقادة أن المنصتين إلى أحد هؤلاء العظماء كانوا يحسون أن وراء ألفاظه معنى خفياً هو أروع وأجمل من أعظم ما ينطق به من الصواب والحكمة، وخلف إشاراته وكلماته قوة كامنة وسراً عجيباً لا يعرف كنهه وماهيته ولكنه يحس أثره ومفعوله، فهو في ذلك ضرب من الكهرباء والمغناطيسية وكذلك لما ألف النابغة كارليل (تاريخ الثورة الفرنسية) الذي شهد العالم أنه أدق وأبرع ما أخرج للناس في وصف ذلك العهد فتناول سيرة (ميرابو) فصورها للناس صورة حية تتفزز تكاد تلمس باليد وتوشك أن تثب من الصحيفة فتمشي على وجه الأرض إنساناً حياً ناطقاً - صاح النقاد صيحة واحدة (أين هذا من ميرابو الحقيق!) لقد عجز كارليل - وما هو إلا بشر - عن تصوير ذلك المعنى الخفي - ذلك السر العجيب - تلك الفكرة الكامنة - تلك المغناطيسية والكهرباء - التي يصح لنا الآن أن نسميها (الشخصية).