للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وغرضه وبغيته، وفي سبيلها يبذل أقصى جهده ومن أجلها يطلق دنياه ويهجر شهواته وينسى نفسه وينكر ذاته. فواجب على الجماهير إذن أن يعرفوا في بطل النهضة أمام العصر وقائد الجيل النافذ البصيرة الصادق النبوة، وإن قوله الصدق واعتقاده الحق ومنهاجه الرشد وسيرته الصلاح وسراطه الهدى. وسخف من بعض الأفراد وحماقة وغباء وعماية أن يحملوا بطل النهضة على اتباع آراء الغير ممن يخالفونه ويعارضونه وما كان البطل قط ليتنزل إلى ذلك، وما كان له ومعه عقله وحزمه أن يحيد عن الحق إلى الباطل وعن الهداية إلى الضلال، وما كان للشمس أن تشرق من المغرب ولا للسيل أن يتدفق من أسفل إلى أعلى ولا للقمر أن يعطل طوافه حول الأرض ولا للعذب الفرات أن يملح ولا للملح الأجاج أن يعذب ولا للذهب أن يحور رساساً ولا للسكر أن يصير ملحاً وقد قلنا أن بطل النهضة هو في كيانه وجوهره وفي حركته وسيره كبعض نواميس الكون وقوانين الطبيعة لا يغير نهجه ولا ينكب عن سراطه إلا بعد أن يفسد الكون ويتبدد نظام العالم وتنشق السموات والأرض وتخر الجبال هدا. فالبطل نبي العصر يأمر فيطاع ويسير فيتبع وخليق بالشعب أن يؤمه إذ كان يبصر فيه علم وطنيته ورمز حريته وإذ كان في صورته وشخصه تتمثل تلك النزعة الجديدة التي نبعت في نفوس الشعب عامة وتتجسد تلك الروح الناشئة التي نجمت في ضمائر الأمة كافة - فهم إذا انجذبوا إليه فإلى أرواحهم ينجذبون، وإذا لبوا نداءه فنداء أرواحهم يلبون، ووحي قلوبهم يجيبون وإذا آمنوا به فبحقيقة النفس البشرية وبسر الروح الإنسانية يؤمنون، وإذا عرفوه فالحق والله يعرفون.

هذه النزعة الجديدة - هذه الروح الناشئة - روح العصر تتقمص البطل فتستولي عليه وتستحوذ على لبه وشعوره وكيانه فيظل وليس فيه إلا هي فكأنه مطية لها شاءت أن تمتطيها إلى غايتها المقصودة، وكأنه سفينة لها اتخذتها مركباً تمخر بها عباب الحوادث جريئة على الأنواء والعواصف جلدة على الأهوال والمصائب صبوراً على اصطدام العناصر وثورة الزوابع - تندفع بها في بحر ثائر من الخلاف والشقاق والعناد والخصام. والنزاع والصدام. تعاني البلاء وتقاسي المحنة والشقاء. حتى تصل إلى ساحل الأمن والسلام والفوز والظفر.

بسم الله مجراها ومرساها - هذه سفينة الأمل تسير بنا في موج كالجبال قد حفتها عواصف