للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأجاب المصور (كم ثمنها؟)

قال التاجر (علام التساوم والتقاول في شيء زهيد تافه كهذا. أعطني سبعين قرشاً.)

قال المصور (كلا)

قال التاجر (إذاً فكم تدفع؟)

قال المصور وقد هم بالانصراف (عشرين قرشاً)

قال التاجر (ما أبخس هذا الثمن. إن الإطار وحده ليساوي أكثر من ذلك. شاور عقلك وجئني غداً. تمهل يا سيدي. ارجع. التفت إلي. زدني عشرة قروش. بل خذها! هات العشرين قرشاً. الواقع أنك أول زبون اليوم، وهذا والله استفتاحي. ولولا ذلك لما طلبت نفساً عنها بهذا الثمن البخس)

على هذه الصورة الفجائية غير المنتظرة أصبح شارتكوف رب تلك الصورة العتيقة فقال في نفسه (فيما اشترائي هذه الصورة وأي خير لي فيها. ولكن لات حين مناص ولابد من الرضوخ للقدر.) ثم أخرج من جيبه قطعة ذات عشرين فأعطاها التاجر وتأبط الصورة ومضى بها إلى بيته. وفي أثناء مسيره تذكر أن قطعة النقود التي أسلمها إلى التاجر كانت آخر ما يملك فأطرق حزيناً واجماً. وكان ضوء الغروب الأرجواني لا يزال يتريث في الأفق ويتلوم. والمنازل المتجهة شطر المغرب ما برحت تتألق ذراها بنضار الشفق الأحمر يتوهج على شرفاتها ويتموج. وكان ضوء القمر الأزرق الرطيب يزداد أثناء ذلك لمعة وبريقاً وكان يتساقط على الأرض إذ ذاك طوائف وأفواج من ظلال رقيقة نصف شفافة وبدأ المصور ينظر إلى السماء المتوهجة بنور شفاف وقال (لله ما ألطف وما أشف وما أرق وما أدق (يريد منظر السماء) وما أعظم هذه البلية (يريد الصورة التي اشتراها)). ثم ثبت الصورة تحت إبطه وكانت لا تزال تزل عن موضعها وتفلت، وأسرع إلى داره.

دخل غرفته ومنها إلى متحفه ومصنعه (أي محل تصويره وصوره) وكانت ملأى بآثار الفن وأدواته ومواده ومصنوعاته فنضا عنه عباءته ووضع الصورة بين لوحتين صغيرتين وألقى بنفسه على مقعد ضيق، وبعد أن مد رجليه وتمطى نادى خادمه أن يأتيه بالنور.

فدخل غلام صغير في رداء أزرق اسمه نيكيتا وكان يؤدي عنده وظيفة خادم ومحضر ألوان (يطحن الألوان ليصيرها مسحوقة) ونموذجاً (أي يجلس أمام سيده المصور ليأخذ عنه