للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيئة من القدم والبلى والرثاثة فكانت من سقط المتاع ونفاية السلع. ولكن الشاب المصور مضى في بحثه قائلاً في نفسه لعلي عاثر على شيء من النفائس المهملة والطرائف المنبوذة، وكان قد سمع حكايات جمة عن أناس أصابوا أنفس بدائع الفن وأثمن تحف الصناعة بين الحثالات والنفايات الملقاة بزوايا الإهمال في أمثال تلك الحوانيت العتيقة.

فلما رأى صاحب الحانوت منه ذلك تركه في بحثه وعاود موقفه بباب الدكان ينادي المارة بأمثال قوله (هلم إلي أيها الأخوان فهنا أحس الصور. تعالوا أيها الإخوان ادخلوا. هذه صور جديدة قد وردت الساعة من أربابها.) بهذا الكلام وأمثاله جعل الرجل يصيح بملء فيه وبلا أدنى فائدة أو ثمرة وبعد أن كل من الصياح ومل أقبل على جار له أمامه دلال فأخذ يحادثه طويلاً. ثم تذكر أخيراً ذلك الفتى الذي قد تركه داخل حانوته يبحث ويفتش فانتقل إليه وأقبل عليه فقال (أي صاحبي، هل وقع اختيارك على شيء؟) ولكنه وجد الفتى المصور واقفاً لا حراك به أمام صورة في إطار كبير فاخر لكنه قديم بال قد أكل عليه الدهر وشرب.

هذه الصورة كانت تمثل شيخاً هرماً نحيف الوجه أسمر اللون بارز الوجنتين والظاهر أن الصورة كانت قد أخذت في لحظة اضطراب تشنجي وكان هذا الشخص يلبس ثوباً شرقياً فضفاضاً. وبالرغم من قذارة الصورة انطماس بعض أجزائها أدرك الفتى شارتكوف في ثناياها وتضاعيفها شواهد من براعة رسام قدير ومصور صناع لما تمكن من تنظيفها وتنقية الوجه من الأقذار والأفذاء. وكانت الصورة غير تامة ولكن براعة الفن فيها كانت رائعة مدهشة وأدهش ما في الصورة العينان، إذ كان يخيل إلى الناظر كأن جميع ما ضمنته ريشة المصور من قوة وإبداع قد سلط على العينين لا غير. فكانتا تطلان من الصورة ذاهبتين بالتوازن الفني فيها لفرط حياتهما وتوقدهما. ولما ذهب بالصورة إلى باب الدكان حيث الضوء أشد وأوفر ازداد إشراق العينين حدة وثقوباً فأثرتا في جمهور المتفرجين الساذج البسيط شبه تأثيرهما بالشاب المصور الفني العليم بأسرار الصناعة فصاحت امرأة كانت واقفة وراءه (إنه ليحملق. إنه ليحملق) وأجفلت نافرة فأحس شارتكوف إحساساً أليماً لم يفهم له معنى ولا علة ووضع الصورة على الأرض.

قال التاجر (أتريد الصورة؟)