متراجعاً في الغرفة فشد قبضته على قرطاس الذهب وأوصاله ترتعد ارتعاداً ثم سمع خطوات الشيخ تدنو منه ثانياً. فقال في نفسه لعله قد فطن إلى القرطاس المفقود. ويا للبلاء لقد أطل الشيخ برأسه ثانياً من وراء الستارة على الفتى فشد يده على قرطاس الذهب بكل ما فيه من قوة مستيئساً مستميتاً ثم حاول أن ينهض من مضجعه ثم صرخ صرخة شديدة - واستيقظ.
لقد ألفى جسده يتفضج عرقاً وقلبه يضرب ضرباناً وصدره مكتظاً وأنفاسه مبهورة وكأنه يعاني سكرة الموت (أكان ذلك حلماً؟) كذا ساءل نفسه وأمسك رأسه بيديه ثم بدا له أن حقيقة ذلك الشيخ الفظيعة لم تك من قبيل الأحلام والرؤى. وفي أثناء استيقاظه أبصر الشيخ يخطو داخل الإطار (إطار الصورة) وأبصر كذلك ذيل ثوبه الشرقي يخفق ويرفرف وأحس أن يده (يد نفسه) كانت تقبض آنفاً على شيء ثقيل. ثم أدرك فجأة أنه ليس راقداً في فراشه بل واقفاً أمام الصورة فحار في ذلك وجعل يسائل نفسه كيف انتقل من فراشه وماذا أوقفه أمام الصورة فلم يدر البتة كيف كان ذلك وأعجب من ذلك أنه وجد الصورة مكشوفة قد زال عنها غطاؤها. فوقف مبهوتاً مسلوب الحركة ينظر إليها وإذا العينان الحيتان الآدميتان تحدقان إليه لا تتحولان عنه البتة، فتفضج جبينه عراقاً بارداً وهم أن يتحرك ولكنه أحس قدميه قد ساختا في الأرض فرسختا. وقام بذهنه أن ذلك ليس بحلم. ثم أبصر وجه الشيخ يتحرك وأنه يمط شفتيه نحوه كأنه يهم أن يلتهمه. فارتد إلى الوراء مجفلاً وصاح صيحة منكرة - واستيقظ.
أكان ذلك حلماً! لقد جعل الفتى يعبث بيده ويتلمس، وقلبه من شدة الخفقان يكاد يثب من بين أضلاعه. الحقيقة أنه كان راقداً في الفراش بنفس الموضع الذي أغفت فيه عينيه. وكانت الستارة مسدلة أمامه ونور القمر مستفيضاً في الغرفة. وكانت الصورة بادية من فروج الستارة مغطاة بالملاءة على نحو ما كان غطاها. وهكذا اتضح له أن هذا كان حلماً أيضاً. غير أنه بالرغو من ذلك ما زالت يده المقبوضة تحس كأنها كانت تنطوي على شيء. وكان خفقان قلبه شديداً عنيفاً. بل مرعباً مخيفاً. وكان على أحشائه عبئاً فادحاً لا يطاق. فصوب بصره نحو الفرجة التي في الستارة وأخذ يحدق في الملاءة الملقاة فوق الصورة. ويا الله! ويا للعجب! ماذا يبصر أنه ليبصر الملاءة ترتفع وتنحسر كأن يدين ترفعانها من ورائها