للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تحاولان طرحها فصاح مذعوراً (يا الله! ما هذا!) وصلب فوق صدره - ثم استيقظ.

فهل كان ذلك أيضاً حلماً؟ هنا وثب الفتى من فراشه وقد كاد يجن جنونه ولبث حائراً لا يدري ما أصابه، أوطأة كابوس أم نوبة حمى أو طيف من الجن حقيقة؟ وهنا حاول الفتى أن يسكن جهد الطاقة ثائرة ذهنه ويكفكف بعض الشيء تدفع الدم المنهمر في عروقه الضارب بأقصى شدة في كل نابضة من جوارحه. فعمد إلى النافذة ففتحها فهبت عليه نسمات السحر البليلة فأبردت عظامه وأطفأت ضرامه وأنعشته ورفهت عنه. وكان ضوء القمر منبثاً على سطوح المنازل وجدرانها بالرغم مما كان يتطارد في ساحة السماء من قطع الغمام. وكان السكون سائداً. ومن آن لآن كان يقرع المسامع صرير عجلة سائرة. فأطل الفتى من النافذة ملياً. وكانت تباشير الصباح قد أخذت تبدو على الأفق وأخيراً هومت رأسه للنعاس فأغلق النافذة وعاد إلى سريره فتهالك على الفراش نضواً طليحاً وما لبث أن غط في نومه غطيطاً. .

استيقظ متأخراً وهو يشعر بأليم ما يحسه وقد أوشك أن يختنق بغاز الاستصباح وكان في رأسه دوار شديد.

كانت الغرفة قليلة الضياء وقد فشت في الهواء رطوبة خبيثة نفذت من فروج النوافذ فأحس الفتى بكآبة انقباش وجلس على مقعده الرث الممزق لا يدري ماذا يصنع. وأخيراً تذكر كل ما تراءى له في الحلم. ولما أخذ يتذكر ذلك تمثل الحلم لعين خياله وبدا في صورة الحقيقة المؤكدة حتى بدأ يشك في كونه حلماً وجعل يسائل نفسه لا يحتمل أن يكون الذي رآه هو طائف جن لا ريب في صحته ولا مراء. وهنا قام إلى الصورة فأماط عنها الغطاء وتأمل الصورة الشنعاء في ضوء النهار. لقد وجد العينين في غاية الروعة والاندهاش لفرط توقدهما الخارق للعادة ولكنه لم يجد فيهما شيئاً مزعجاً مرعباً بوجه خاص وإن كان لم يبرح بذهنه أثر إحساس أليم مما قاساه بالأمس. وكان بعد ذلك كله لا يستطيع إقناع نفسه أنه كان حلماً محضاً. بل جعل يشعر في أعماق ضميره أن هذه الرؤية كانت تنطوي على شعبة هائلة من الحقيقة وكأنما كان يلمح في لحظ الشيخ وفي مخايل وجهه آية ناطقة بأنه قد طرقه وصحبه ليلة الأمس. كما أن يده لا تزال تشعر بذلك الثقل الذي حوته كما لو أن شخصاً ما قد انتزعه من قبضتها منذ لحظة وخيل إليه أنه لو كان ضاعف قبضته على