للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كل ما أصنعه معك.)

قال هذا وتناول قبعته فلبسها وخرج إلى الردهة يتبعه صاحب الدار مطرقاً يتفكر.

ولما تأكد شارتكوف أنهما قد برحا المنزل سري عنه وتنفس مستريحاً ولقد قال في نفسه (الحمد لله لقد ذهبا، لا أراني الله وجهيهما!) ثم نادى نيكيتا فأرسله في حاجة إقصاء له عن الدار ليخلو له الجو في تلك الساعة. وأغلق الباب وراءه وعاد إلى غرفته فتناول القرطاس الملفوف بكف راجفة وإجشاء واجفة وعقل شارد ولب عازب وبدأ ينشر مطويه.

ولما فتحه ألفى به مقداراً عظيماً من قطع ذهبية براقة وهاجة تتألق كأنها ألاهيب نيران مؤججة وهنا طار عقلة وضاع رشده من فرط الحبور والجذل وجلس إلى الكثيب الذهبي وساءل نفسه أليس هذا أيضاً حلماً.

لقد كان في القرطاس ألف ليرة ذهباً وهاجاً مثلما شاهد في الرؤيا، وجعل يقلبها في يديه وينظر إليها ملياً. وهنا ثار من أعماق مخيلته كل ما كان قد سمعه من حكايات الكنوز المدفونة والخزانات ذات الأدراج السرية التي كان يتركها الآباء المتبصرون إلى أحفادهم المبذرين لاعتقادهم ما سوف يكون من إسرافهم وتضييعهم. فجعل يناجي نفسه بمثل هذه الأقوال (ما أظن لا أن أحد الأجداد قد ادخر هبة لبعض أحفاده في إطار إحدى الصور العائلية) وكذلك ازدحم في ذهنه أعجب التصورات وأغرب التخيلات فخطر في باله أن هذه الصورة المدهشة يحتمل أن يكون لها علاقة سرية بحظه ومصيره. وأن وجودها مرتبط بوجوده وأن عثوره عليها وإحرازه إياها يحتمل أن يكون مما جرت به الأقدار وسجل في لوح الفضاء.

وهنا تناول الإطار ليمتحنه دهشاً متعجباً. فألفى في أحد جانبيه تجويفة قد أخفيت عن الإبصار أدق إخفاء وألطفه بواسطة لوح صغير، فلو لم يتصدع هذا اللوح من ضغط تلك اليد الثقيلة - يد الضابط السابق الذكر - لجاز أن تبقى النقود الذهبية مخبوءة بذلك المكمن الخفي آخر الأبد، ثم امتحن الصورة أيضاً فعاوده العجب والدهشة من إتقانها ومن دقة صنع العينين. وكان قد زال عنهما - بعد حادثة القرطاس - ما كان لهما من موقع الرهبة والرعب في قلبه. ولكنه مع ذلك كلما نظر إليهما أحس في نفسه شيئاً من الضيق والغم.

ثم قال في نفسه يخاطب الصورة (سواء أكنت جدي أم جد سواي لأصوننك بأنفس الزجاج