للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بصراً وأبعد نظراً في منهاجه المختص به دون غيره. فإذا سخط أقوام على البطل فإنما هو سخط مؤقت لا يلبث أن يزول متى انجابت سحب الشك والريبة عن أعمال البطل فتجلت حقائقها مشرقة بلجاء. ناصعة بيضاء. وحينئذ يعلم الناس أن فعلة البطل كانت مجردة من الأغراض والأهواء بريئة من كل أثر للشهوة والأنانية بل هادمة للشهوة والأنانية مملوءة بالإيثار والتضحية. ولكن في ذلك لذتها وهو سبيل نجاحها.

الاعتزاز بالنفس والاستبداد بالرأي عنصر البطولة وجوهرها. والاعتماد على النفس هو شيمة النفس الثائرة على الأكاذيب والأباطيل. المتمردة على الظلم والطغيان وشيمتها القدرة على احتمال كل ما في طاقة الظلم والطغيان أن يرسله عليها من ضروب عذابه ومصابه. وشيمتها أيضاً ترفعها عن الاهتمام بالصغائر والحقائر واحتقارها احتقار الناس إياها. وشيمتها المثابرة والثبات والجرأة والإقدام وصبر لا ينفذ وجلد لا يهن وشيمتها الاستهزاء بغرور الحياة وحقارة الدنيا وما زالت تجد في اهتمام الناس بصيانة الصحة والمال وشدة المحافظة على الأرواح وعلى مصادر الللذات والأفراح أوسع مجال للضحك والتهكم والسخرية.

ولكن حساد البطل من ذوي الحقد والضغينة ينكرون هذه الحقيقة الظاهرة إذ يعزون كل أعمال البطل إلى حاجة في النفس وهوى في الفؤاد وباعث شخصي ربما كان دنساً خبيثاً. ومن ثم يحكمون على البطل باللؤم والفجور والخسة. أمثال هؤلاء السخفاء الأغبياء ممن أكل الحقد قلوبهم ونحب الحسد أفئدتهم لا يرون في أبطال العالم الذين هم بناة المجد والعلاء ومشيدو المدينة والحضارة وأعلام التاريخ المؤلفة منهم سلسلته الذهبية إلا أشراراً فجاراً بغاة طغاة لا فضل لهم ولا خير فيهم وإنهم لم يخدموا سوى أغراضهم الذاتية وأهوائهم الشخصية ولم يبلغوا ما بلغوا إلا بالكذب والغدر وبالظلم والجريمة. والواقع أن هؤلاء الأفاكين لم يسلم من ألسنتهم بطل ما حتى ولا أساطين العالم وقادته وأعلامه - فلقد قالوا عن الاسكندر الأكبر أنه مصاب بجنون الغزو والفتح لأنه دوخ بلاد اليونان وفتح آسيا - وزعموا أن الولوع بالشهرة كان باعثه الوحيد بدليل أن أعماله أدت إلى الشهرة ومثل هذا قاله أولئك السخفاء في يوليوس قيصر وهانيبال والسفاح وتيمورلنك وصلاح الدين وشارل مان ونابليون فأثبتوا بحججهم الواهية السخيفة أن أثمة العالم أشرار فجار مجرمون