للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من قوة وغنى وعزة نفس وشجاعة قلب وحب للبلاد وغيرة على الوطن.

ويظهر أثر ذلك المبدأ جلياً في أوقات الأزمات الحرجة التي يحتاج فيها المجموع إلى قرار سريع حاسم. فبينما ترى الأمة التي لا تمثل إلا مجموعاُ أشبه شيء بقطعان الغنم دهشة ذاهلة مترددة في أمرها يتربص كل فرد فيها عمل أخيه ويلقي عليه تبعة التقصير والتأخير، إذا بالأمة الاخرى قد اشتمل كل منهم درعه ولأمته ينادي (بيدي لا بيد عمرو). لقد خرج كل فرد انكليزي من بيته في الحرب الكبرى يبحث عن عمل له. فغني يدفع الاموال وقوي يجر المدفع وعامل يشتغل في المصنع وامرأة تخدم في المستشفى. وحق كل منهم أن يقول: لقد كسبت الحرب بساعدي!؟

من هذا كله يمكننا أن ندرك السر العظيم في متانة البناء الذي يقام على هذه القاعدة قاعدة استقلال الأفراد إلى الحد الذي لا يعبثون فيه بالحقوق العامة أو الصلات المدنية التي تربطها بالمجتمع نفسه ويقتضيها تمتعهم ببقائه.

إن الفرد الوطني الغيور إنسان على كل حال لا يمكنه أن يتنازل بالمرة عن استقلاله الشخصي أو يفطن دائماً إلى سبيل الحق والواجب. وعلى ذلك فإذا ما اعتقد أنه وحده الأمة فكأنه اعتبر مرافق الأمة ومصالحها مقومات لمرافقه الشخصية ومصالحه. ولا عجب بعد ذلك إذا رأينا نجاحه وثباته وإخلاصه لاننا إذا قلنا أنه ذو غيرة على وطنه وشديد الحب والإعجاب بأمته فإنما نعني في الحقيقة من طرف آخر أنه شديد الحب والإعجاب بنفسه غيور على شخصه وما يتعلق بشخصه من المصالح والأعمال. وإن سعيه فس سبيل ترقية نفسه ونجاح أعماله ليكون أثبت وأقوى إذا ما اعتبر أنه يؤديه إلى نفسه بصفته أمة وحده لا بصفته يهدي إلى المجتمع مصلحة أو يضحي له بمنفعة. إن فكرة الإهداء إلى المجتمع فكرة خطرة تسوق إلى الاضمحلال، وإن العزاء الذي تسمعه من أفراد كثيرين بأنه يعمل هذا لنفع المجتمع دون نفعه لعزاء مخيف يجب أن لا يشكر عليه صاحبه، لأنه يكون عمل الكليل البليد الذي يلمح الفشل في طيات الافق البعيد. والذي لا يبالي أن يبادر إلى ترك العمل واثقاً أن حبوطه فيه لا يسوق عليه اللوم ما دامت كانت وجهته وجهة النفع العام.

ليكن كل فرد في امته شعباً بمفرده ولا أريد بهذا أن يحارب وحدات الشعوب الأخرى من بقية الأفراد. بل إن الشخص الذي يحارب بقية الأفراد في مثا هذه الامة أو يعبث